قصة ورسوم: شريف منصور
العم (زياد) مزارع عجوز طيب القلب يعيش فى مزرعته الجميلة مع حيواناته النشيطة المتعاونة.. ولقد أحبته جميع حيوانات المزرعة لأنه كان حنونا رفيقا يحسن معاملتهم ورعايتهم.. لذا فقد تفانت الحيوانات فى خدمته: الكلب يقوم بحراسة مزرعته بإخلاص وأمانة.. الحمار يحمل متاعه بصبر وقوة تحمل.. البقرة تمنحه اللبن راضية سعيدة.. والدجاج يمنحه البيض بلا تذمر ولا شكوى..
وفى أحد الأيام أتى إلى المزرعة زائر جديد.. ديك جميل الهيئة.. رائع المنظر.. زاهى الألوان.. ابتاعه العم (زياد) لجماله الملفت.. كما أنه كان بحاجة إلى ديك يؤذن عند الفجر فى مزرعته.. وفى اليوم الأول احتفى العم (زياد) بالزائر الجديد ومنحه الطعام الطيب كما خصص له مكانا متميزا فى مزرعته.. ويوما فيوما لاحظ العم (زياد) أن الديك الجديد كسول للغاية.. يتناول الكثير من الطعام ويستغرق فى النوم أغلب الأوقات.. ليس هذا فحسب بل أنه لم يؤذن فى الفجر أكثر من مرة لأنه كان يستغرق فى النوم.. إلا أن طيبة قلب العم (زياد) منعته من عقابه أو التخلص منه فقد قال فى نفسه: "لعل عدوى النشاط تنتقل إليه من حيوانات المزرعة.. ولعله لم يتكيف مع المكان الجديد بعد"..
تمادى الديك فى كسله وراح يراقب حيوانات المزرعة.. تعجب من المجهود الشاق الذى تبذله الحيوانات فدعاهم ذات يوم لاجتماع مهم.. تنحنح الديك ثم قال فى صوت مهيب مؤثر:
- يا حيوانات المزرعة الطيبون.. أنتم تبذلون الكثير من المجهود الشاق بلاطائل.. وتحرمون من أبسط حقوقكم.. ولا تنالون فى النهاية إلا الفتات
ردت إحدى الدجاجات:
- ولكن العم زياد يحسن معاملتنا ويمنحنا الطعام والحماية
رد الديك فى سخرية:
- أنتم تستحقون أكثر من هذا.. ولعل الله أرسلنى لكم حتى أرشدكم إلى الطريق الصحيح
ويبدو أن منظر الديك المهيب وبلاغته وصوته المؤثر قد ترك تأثيره فى نفوس الحيوانات فقد تسائل الكلب فى حماس:
- وما العمل أيها الديك الحكيم؟
- أنت مثلا أيها الكلب المسكين.. تسهر كثيرا لحماية المزرعة وتحرم نفسك من النوم والراحة.. وأنت أيها الحمار البائس تحمل أثقالا تفوق طاقتك ولا تنال إلا أقل الطعام.. وأنتن أيها الدجاجات.. محبوسات فى مكان ضيق حقير ولا تنعمون بالحرية.. وتمنحون العم (زياد) البيض الكثير فى مقابل القليل من الطعام..اليوم نعلن حالة العصيان.. يجب أن ننال حقوقنا المسلوبة.
ترك كلام الديك أثره فى نفوس الحيوانات وبدأ العم (زياد) يلاحظ مندهشا فى الأيام التالية اختلافا فى سلوك الحيوانات وكسلا ملحوظا بل وتمردا يتزايد باستمرار
وفى أحد الأيام لاحظ العم (زياد) ثغرة فى سور مزرعته بسبب تلف حدث فى إحدى جوانبه.. قرر مغادرة المزرعة على متن حماره الطيب للذهاب إلى المدينة والإتيان بالمعدات اللازمة لإصلح السور.. إلا أنه لدهشته البالغة فوجئ بالحمار يرفض التحرك من مكانه حتى يئس من محاولة فاضطر عم (زياد) لتأجيل هذه الخطوة المهمة..
وفى مساء نفس اليوم نام العم (زياد) بعد أن أتعبه التفكير فيما جرى لحيواناته.. وفى منتصف الليل تسلل ثعلب خبيث إلى المزرعة بكل سهولة من خلال الثغرة الموجودة بالسور.. وبعد أن لاحظ أن كلب المزرعة مستغرق فى نوم عميق بعد أن امتلأت معدته بالطعام فلم يلحظ دخوله.. وبعد أن دخل الثعلب إلى المزرعة تسائل إن كان سيتمكن من الدخول إلى جرن الدجاج المحصن.. إلا أنه فوجئ بأنالدجاجات منتشرة فى المزرعة وقد خرجت من الجرن لتستمتع بحريتها.. وكانت الكارثة.. فقد راح الثعلب الخبيث يفترس الدجاجات التى فشل صياحها المستمر فى إيقاظ الكلب الكسول الممتلىء المعدة..
وفجأة استيقظ الديك الكسول فصرخ فى فزع من هول المشهد.. ولفتت صرخته انتباه الثعلب ولفت نظره أكثر حجم الديك الكبير وألوانه الزاهية.. فاقترب منه وقد نوى على افتراسه
صاح الديك مذعورا: أتقذنى أيها الكلب الشجاع.. أنقذنى يا (عم زياد)
إلا أن صيحاته راحت هباء فقد امسكه الثعلب بأسنانه وغادر المزرعة بعد أن ترك فيها فوضى واضحة
فى الصباح هال العم (زياد) ما حدث فى المزرعة.. وشعر الكلب بالذنب لما جرى وكذلك الحمار.. وحزنت بقية الدجاجات لما حدث لرفيقاتها.. إلا أن الكل تعلم درسا قاسيا
وبغياب الديك الكسول عادت الحيوانات لسابق عهدها من النشاط والتفانى فى العمل وقد تعلمت أن لكل حيوان حقوق وواجبات، فإن أهمل فى واجباته استحق مصيرا كمصير الديك الكسول.
قصة ورسوم: شريف منصور
أصاب الوهن والعجز تمساح كبير عرف فيما مضى بقوته وبطشه.. فصار كبير السن ضعيفا لا يقوى على السباحة فى النهر ولا على مطاردة الفرائس.. وفى أحد الأيام كان يجلس على ضفاف البحيرة يتأمل فى حسرة التماسيح الشابة وهى تعوم فى البحيرة بنشاط وسرعة فتذكر أيام مجده وعنفوانه.. كما راح يراقب الغزلان التى تتقافز فى نشاط والحمر الوحشية وهى تجرى فى قطعانها فأصدرت معدته صوتا مضطربا فقد كان الجوع يمزقه.. الآن هو لا يقوى على الصيد فعضلاته واهنة وسرعته بطيئة.. ولما تملك اليأس من التمساح راح يبكى بكاءا عاليا سمعته جميع الحيوانات فلم تشعر تجاهه بالشفقة ولا بالتعاطف.. وبينما كان القرد (ميمو) طبيب الغابة يمر بالجوار سمع نحيب التمساح فاقترب منه فى حذر وسأله:
- لماذا تصنع هذه الضجة أيها التمساح العجوز؟
رد التمساح:
- أنجدنى يا طبيب الغابة..أنا بحاجة لعلاج يعيد إلى نشاطى وحيويتى
رد القرد (ميمو) ساخرا وهو يهم بالانصراف:
- علاجك ليس عندى.. أنا أعالج فقط الحيوانات الوديعة المسالمة.. أما أنت فمداواتك تعنى عودتك لشراستك وبطشك وافتراسك للحيوانات المسكينة
قال التمساح بلهفة:
- فلتعالجنى أيها القرد الطبيب.. وأتعهد إليك بألا أفترس أى حيوان بعد شفائى
رد القرد:
- كيف أصدق عهدك وأنت حيوان مفترس بطبعك؟
- لقد ضعفت أسنانى ولم أعد أقوى على التهام الفرائس.. أقسم لك إذا أعدت لى نشاطى فلن أتغذى إلا على أسماك البحيرة فقط
واصل التمساح بكاءه واستعطافه للقرد حتى رق له قلب القرد عندما رأى ضعفه وذله.. اقترب منه وراح يفحصه.. وبعد الكشف قال فى ثقة:
- علاجك لدى.. أعرف شجرة نادرة جدا تطرح ثمارا عجيبة تعيد للعجوز شبابه وللضعيف قوته.. لكننى الوحيد الذى يعرف مكانها.. لكن يجب أن تعرف أن كل ثمرة من ثمار الشجرة تمنحك قوة ونشاط لمدة يومين فقط ثم ينتهى مفعولها فتعود لضعفك.. لذا فأنت تحتاج لتناول ثمرة كل يومين مدى الحياة
قال التمسح فى أمل:
- ائتنى بالثمرة وأعدك أن أعيش فى سلام مع باقى الحيوانات الطيبة.. لقد تبت وأريد أن أبدأ صفحة جديدة
صدق القرد كلام التمساح وغاب لفترة ثم عاد وأعطى للتمساح ثمرة عجيبة فضية اللون وهو يقول:
- إليك الثمرة.. تذكر: لاتحاول خداعى فسأظل أراقبك وأضعك تحت الاختبار.. لا تقترب من حيوانات اليابسة الطيبين.. وسأحضر لك ثمرة كل يومين
بعد ساعة من تناول التمساح للثمرة شعر بنشاط مفاجئ وقوة كاد ينساها.. فقفز فى البحيرة وراح يعوم فى نشاط فقال وهو يلوح بيده للقرد:
- شكرا أيها القرد الطيب..سأعيش من الآن على تناول الأسماك ولن أوذى حيوانا طيبا بعد الآن.
مرت أسابيع والتمساح لا يأكل سوى الأسماك.. وكان القرد الطيب يمده كل يومين بالثمرة التى تجدد نشاطه.. إلا أن التمساح مل من أكل الأسماك وتاقت نفسه إلى تناول لحم الغزلان والحمر الوحشية.. لكنه كان يعلم أنه إن خان العهد فسيتوقف القرد عن إمداده بالثمرة السحرية.. خطرت له فكرة فقال للقرد فى أحد الأيام:
- عزيزى القرد.. لعلك الآن تأكدت من صدق نيتى فى التوبة بعد أن راقبتنى لفترة طويلة.. أعلم أنك تقطع مسافة بعيدة وترهق نفسك من أجل الذهاب إلى تلك الشجرة.. ما رأيك لو دللتنى على مكانها فأوفر عليك عناء الرحلة وأذهب لإحضار الثمرة بنفسى
رفض القرد فى بادئ الأمر ولكنه راح يفكر طويلا.. التمساح بالفعل وفى بوعده وأثبت صدق نيته.. لم لا يدله على مكان الشجرة ليوفر عليه مشقة الذهاب كل مرة لإحضار الثمرة؟.. وافق القرد فى النهاية وطلب من التمساح أن يتبعه.. قطعا مسافات بعيدة.. واجتازا مرتفعات وسهول حتى بلغا مكان الشجرة.. وعندما رأى التمساح الشجرة بثمارها الفضية اللامعة سارع بالتهام القرد الطبيب ثم راح يضحك ساخرا وهو يقول:
- يالك من قرد أحمق ساذج.. الآن لم أعد بحاجة إليك.. كل الثمار ملكى الآن..
اقترب من الشجرة وراح يهزها بذيله الضخم فلم تسقط ثمرة واحدة.. أدرك فجأة أنه فى مأزق خطير.. فهو لا يجيد التسلق ولا يمكنه الصعود إلى الشجرة.. حاول مئات المرات واستخدم كل الحيل ففشل فى إسقاط ثمرة واحدة.. بدأ الوهن يتسلل إلى جسده وبدأ مفعول الثمرة يزول فصرخ صرخة عالية وراح فى يأس يستنجد بكل الحيوانات إلا أن الحيوانات التى رأت غدره وشره رفضت مساعدته وتركته يواجه مصيره المظلم.. عندها أدرك أنه أضاع من بين يديه آخر فرصة له للبقاء.
قصة ورسوم: شريف منصور
عاش مزارع طيب عجوز اسمه (أمين) فى مزرعة صغيرة جميلة يزرع فيها المحاصيل ثم يبيع ما تجود به الأرض من خير، كان ميسور الحال ولا يكف عن شكر الله على نعمته.. وحدث أن مرت أرضه بفترة جدب وجفاف طويلة ولم تعد تطرح المحاصيل كسابق عهدها.. بدأ الحال يتغير بعم (أمين) وضاق به الحال.. إلا أنه كعادته لم يكن يكف عن حمد الله قائلا: "الله هو الرزاق.. وله الحمد فى السراء والضراء".. بدأ عم (أمين) يستدين من معارفه على أمل أن يتحسن الحال وتعود الأرض لسابق عهدها فيرد ما اقترضه من مال.. لكن الحال لم يتغير وضاق الحال أكثر وأكثر حتى أن الأرض توقفت تماما عن طرح المحاصيل.. ولما أدرك الدائنون أنه لا أمل قريب فى تغير الحال طالبوا عم (أمين) بأموالهم.. ولأنه كان أمينا صادقا فقد اضطر لبيع الكثير من ممتلكاته الثمينة لسداد دينه.. باع حصانه الأبيض الجميل، وباع أثاث منزله، وباع ملابسه فلم يتبق له سوى بيته الريفى الجميل الخالى وأرضه الجدباء.. وفى النهاية سدد ما عليه من دين وراح يدعو الله أن يرفع عن البلاء.. ومرت عليه فترة طويلة من ضيق العيش والفقر والجوع والحاجة..
وذات يوم بينما كان يصلى لله فى جوف الليل سمع صوت خوار صادر من خارج المنزل.. خرج ليتفقد مصدر الصوت ففوجئ ببقرة سمينة بنية اللون بها بقعتان سوداوتان واحدة كبيرة على ظهرها والأخرى صغيرة على رقبتها.. شعر عم (أمين) بالدهشة لوجود هذه البقرة فى مزرعته وقدر أنها ملكا لأحد التجار أو المزارعين وضلت طريقها إلى مزرعته.. ربت على البقرة فى حنان ثم اقتادها إلى الاسطبل الذى كان يقيم فيه حصانه الذى باعه ثم قال لها فى حزن:
- آسف يا عزيزتى.. لا أملك لك طعاما ولكننى من الغد إن شاء الله سأسعى للبحث عن صاحبك لأعيدك إليه.. فأنت أمانة يجب أن تعود إلى صاحبها
فى ذلك اليوم وسوس الشيطان لعم (أمين) وزين له أن يأخذ البقرة لنفسه ويبيعها ليستفيد من ثمنها حيث أنها بلا صاحب وما أحوجه إلى المال فى تلك الضائقة.. إلا أن عم (أمين) استعاذ بالله وراح يدعوه أن يفرج كربه..
فى اليوم التالى راح عم (أمين) يسأل كل التجار والبائعين والمزارعين فى البلدة وفى المناطق المحيطة القريبة عما إذا كان أحدهم قد فقد بقرة.. أجاب أغلبهم بلا.. وطمع البعض فى البقرة فكان الواحد منهم يقول كاذبا: "نعم فقدت بقرة من بقراتى".. ولكن عم (أمين) كان يسأل كل شخص أولا عن مواصفات البقرة الضالة حتى يعطيها له.. فكان الكاذب والمحتال يفشل فى معرفة مواصفات البقرة ولونها وموضع البقعتين اللتين على جلدها ولونهما.. فى نهاية المطاف لم يعثر (أمين) على صاحب للبقرة فى البلدة بأسرها فعاد لمزرعته وقال للبقرة حزينا:
- لا ادرى كيف أعتنى بك وأطعمك وأنا على هذا الحال؟ سأنتظر حتى يظهر صاحبك كما سأدعو الله أن يرزقنى وإياك
فى الأيام التالية لاحظ (أمين) العجب العجاب.. فإلى جانب أن البقرة كانت لا تأكل - ومع ذلك كانت فى غاية الصحة والنشاط - فقد لاحظ حدوث معجزة لم يكن يتصور حدوثها.. أرضه أنبتت الكثير من المحاصيل بين ليلة وضحاها.. لم يصدق عينيه وسجد لله شكرا ثم قال للبقرة مبتهجا:
- لعل الله قد رزقنى بك أيها البقرة الطيبة المباركة
جمع عم (أمين) المحاصيل وباعها وحصل على الكثير من الأموال فأطعم البقرة وأطعم نفسه وبدأت أحواله تتحسن.. والعجيب أنه بات يرى نفس المعجزة تحدث كل يوم.. بعد أن يجمع كل المحاصيل ويبيعها ينام ويستيقظ فيجد محاصيلا جديدة مكتملة النمو نابتة فى أرضه.. ومرت الأيام على هذا الحال حتى خرج عم (أمين) من ضائقته ووسع رزقه حتى أصبح فى حال أكثر سعة من ذى قبل.. ولما لاحظ التجار والمزارعون ما حل به أصابتهم الدهشة والغيرة والحقد.. وربط أحد التجار الخبثاء واسمه (كرمان) بين البقرة التى أخبرهم (أمين) بعثوره عليها وبين الرزق الوفير والبركة التى حلت عليه.. فقرر الحصول على هذه البقرة بأى ثمن.. تسلل فى الليل إلى داخل مزرعة عم (أمين) واختلس النظر من نافذة الاسطبل المفتوحة فرأى البقرة وعرف مواصفاتها ولونها.. وفى اليوم التالى أتى لعم (أمين) وهو يدعى أنه اكتشف بقرة ناقصة من بقراته كان قد نسيها.. ولما طالبه عم (أمين) بذكر مواصفاتها أخبره (كرمان) بلونها ولون ومكان البقعتين اللتين على بطنها ورقبتها.. وبرغم حزن عم (أمين) على أنه سيفارق البقرة الطيبة المباركة إلا أنه منحها لكرمان راضيا وقال له: "هذه أمانتك التى استودعنى إياها الله.. خذها وحافظ عليها"..
عندما عاد التاجر الثرى بالبقرة تبدلت أحواله.. لم يكد يمر أسبوع حتى ماتت كل حيواناته.. وجفت أرضه.. وضاعت أمواله حتى شعر بالخوف والجزع فسارع بإعادة البقرة إلى عم (أمين) واعترف له بكذبه وبالخدعة التى فعلها فربت (أمين) على البقرة وقال:
- الآن عرفت أن هذه البقرة المباركة كانت جزاء خير من الله على صبرى وعلى أمانتى.. وهى أيضا جزاء شر لك على كذبك وطمعك.. ومن اليوم لن أفارقها أبدا وسأسميها (أمانة)
منح (أمين) للتاجر ما يحتاجه من مال ليبدأ من جيد وأخبره بأن الله سيغفر له ويزيح عنه البلاء طالما اعترف بذنبه وتاب عنه.. وعاش عم (أمين) فى رغد وهناء مع البقرة الطيبة وصار من أغنى أغنياء بلدته.. ولم يكف يوما عن حمد الله وشكره على نعمته وعن العطف على الفقراء والمساكين ومساعدتهم.
قصة ورسوم: شريف منصور
فى قديم الزمن حكم ملك ظالم اسمه (شعلان) إحدى البلاد الصغيرة.. كان يحكم رعيته بالبطش والقوة ولا يتورع فى نهب خيرات البلدة وفرض الضرائب الباهظة على أهلها الطيبين.. كما كان مولعا بالترف والبذخ والمظاهر، فكان ينفق الأموال بلا حساب فى بناء القصور وشراء التحف والحلى والجواهر.. وحدث ذات يوم ما عكر عليه صفوه.. فقد بلغته أنباء أن ملك البلدة المجاورة شيد قصرا فائق الجمال على تلة عالية.. أثار غيظ الملك (شعلان) أن كل شخص كان يزور قصره من الحكام أو الوزراء أو التجار القادمين من بلاد أخرى كان يمدح فى قصره ثم يقول: "قصرك رائع أيها الملك (شعلان).. ولكنه لا يضاهى قصر (نعمان) ملك البلدة المجاورة.. إن قصره بلا شك أفضل تحفة معمارية رأيتها فى حياتى".. تكررت تعليقات الناس حول قصر (نعمان) ملك البلدة المجاورة حتى جن جنون الملك (شعلان) وقرر حشد كل أمواله ثم اختار أمهر البناءين وراح يشيد قصرا لا مثيل له فى كل البلاد.. ولما انتهى بناء القصر وانتقل الملك (شعلان) إليه حتى انهالت على قصره عبارات المديح والإعجاب.. لكن برغم كل هذا تكررت نفس العبارة من جميع زواره: "إنه قصر رائع بالفعل لكن لا يبلغ روعة قصر الملك (نعمان)".. استشار الملك (شعلان) وزيره الخبيث (عزام) فى هذه المشكلة فاقترح عليه الوزير أن يقوم بزيارة ودية للملك (نعمان) فى قصره لمشاهدة القصر عن قرب ودراسته وسؤال (نعمان) عن الطريقة التى بناه بها حتى يقوم الملك (شعلان) ببناء قصرا مماثلا بنفس الطريقة.. أخذ الملك (شعلان) بالنصيحة وجمع حراسه وكذلك أمهر البنائين فى مملكته وانطلق فى قافلة مهيبة إلى بلدة الملك (نعمان).. وعندما بلغت قافلة الملك (شعلان) بلدة الملك (نعمان) وقبل حتى أن يدخلوها شهق كل جنود وأعوان الملك فى انبهار عند رؤيتهم لقصر الملك (نعمان) الواقع فوق أعلى تل بالبلدة.. كان قصرا رائعا تشع أحجاره البراقة التى لا مثيل لها بضوء بنفسجى مبهر يخلب الألباب.. رحب الملك (نعمان) بالملك (شعلان) واقتاده إلى قصره الرائع.. وبالداخل كان القصر لا يقل روعة عن خارجه.. الجدران تشع بنفس الضوء البراق الذى يسحر العقول.. حاول الملك (شعلان) سؤال الملك (نعمان) عن كيفية بناء هذا القصر فرفض الملك (نعمان) فى أدب قائلا: "إن لهذا القصر سر لا أستطيع البوح به".. فشلت محاولات الملك (شعلان) فى جعل الملك (نعمان) يخبره بالسر، كما أجمع كل بنائين الملك (شعلان) على أن الحجارة التى صنع بها هذا القصر لم يروا مثلها أبدا فهى تضىء من تلقاء نفسها.. وبينما كان الملك (شعلان) فى ضيافة الملك (نعمان) عاود استشارة وزيره (عزام) الذى كان يصاحبه فقال له الوزير:
- هناك حل واحد أيها الملك.. لديك جنود وعتاد أكثر من هذا الملك.. يمكنك إرسال مبعوث لجمع كل جنودك فيأتون إلى هنا ونقوم باحتلال هذه المملكة وسجن ملكها (نعمان).. عندها يكون هذا القصر ملكا لك للأبد.. وكذلك تحكم أنت المملكتين.
لم يملك الملك (شعلان) أمام الأطماع التى لعبت برأسه إلا أن ينفذ خطة الوزير.. وبالفعل أغار جيش الملك على بلدة الملك (نعمان) وسقطت مملكته وتم حبسه فى أحد السجون.. ثم تولى الملك (شعلان) حكمه من داخل القصر الجديد..
مرت أسابيع والملك (شعلان) مستمر فى ظلمه وطغيانه حتى لاحظ الجميع ظاهرة محيرة.. لقد خفتت إضاءة القصر تدريجيا وقل الوهج المنبعث من أحجاره.. واستمر الحال هكذا حتى اختفى الضوء المنبعث من القصر وتحول لون أحجاره إلى اللون الأسود القاتم بعد أن كان بنفسجيا هادئا.. حتى أتى اليوم الذى كان الملك (شعلان) فيه نائما فأفاق فجأة على صوت مرعب من داخل غرفته.. استيقظ مرعوبا ففوجئ برجل هائل الحجم غريب الهيئة فصاح به الملك:
- من أنت وكيف تجاوزت الحراس ودخلت إلى غرفتى؟
رد الرجل فى غضب:
- أنا من بنى هذا القصر.. لقد عاش الملك (نعمان) طيلة حياته يحكم بالعدل ويرعى شئون رعيته ويجير المساكين والضعفاء.. لذا فقد كافأه الله بأن أرسلنى إليه فبنيت له هذا القصر وسميته قصر العدالة.. إن أحجاره النادرة التى لا يوجد لها مثيل تستمر فى الوهج مع استمرار العدل والرحمة.. ويختفى وهجها ويسود لونها كلما شاع الظلم والطغيان.. والآن سينهار هذا القصر فوق رأسك جزاء لما فعلت.
صرخ الملك عندما سمع صوت هائل ينبعث من جدران القصر وارتج المكان.. اختفى الرجل الغامض فى لحظة وبدأ القصر ينهار.. ولم تمض لحظات حتى انهار فوق الملك وأعوانه..
بعدها سارع الناس الطيبون بإطلاق سراح ملكهم الطيب (نعمان) الذى أمر بجمع حجارة القصر وإعادة بنائه من جديد.. وبعدما تم بنائه حكم الملك (نعمان) المملكتين وضمهما إلى بعض.. وراح يرعى شئون رعيته بالعدل من داخل قصره الذى راحت أحجاره تتحول إلى لونها البنفسجى وبدأت تشع الضوء من جديد حتى صار للقصر وهجا يمكن رؤيته من مئات الأميال.
قصة ورسوم: شريف منصور
فى تلك البقعة الهادئة من البحر عاشت مجموعة من الأسماك المسالمة فى سعادة وهدوء.. وذات يوم وفد إلى المكان أخطبوط مشاغب لا يجد سعادته إلا فى ترويع الكائنات
الصغيرة وإفزاعها.. مستعينا فى ذلك بالهبات التى حباه الله بها.. فهو مثلا ينتظر الأسماك الصغيرة الملونة فى وقت لهوها اليومى ويراقبها حتى تجتمع معا وتبدأ اللعب فيطلق حولها سحابة كثيفة من الحبر تعكر صفو الماء وتصيب الأسماك بالضيق البالغ لفترة من الوقت.. ومرة أخرى يغير لونه إلى لون رمال القاع ويمكث بلا حراك فوق الرمال وقد بدا وكأنه جزء منها.. ولأن الأسماك لم تكن تراه فقد كان ينتظر حتى تمر مجموعة منهم فوقه فينقض عليها مرة واحدة مما يصيبهم جميعا بالفزع الشديد.. عندها كان يطلق ضحكات عالية شاعرا بالزهو من حيله التى لا تخيب.. بل قد يقوم أحيانا بالنوم فى مكان إحدى السمكات مستغلا جسمه المرن الذى يستطيع الدخول إلى أصغر الشقوق والجحور.. وعندما كانت السمكة تأتى لتنام كان يفرد أذرعته الثمانية فى المكان الضيق ويستغرق فى النوم مسببا ضيق بالغ للسمكة صاحبة المكان فتنصرف السمكة عاجزة عن التصرف..
وذات يوم قررت السمكة الذهبية الصغيرة المعروفة بذكائها وحسن تصرفها تلقين الأخطبوط الشقى درسا قاسيا حتى يكف عن حماقاته وتصرفاته المزعجة.. فذهبت إليه يوما وسألته مصطنعة البراءة:
- يقولون أنك أيها الأخطبوط العاظيم قادر على ضغط جسدك المرن والدخول إلى أضيق الأماكن والجحور
رد الأخطبوط مزهوا:
- هذه أبسط المواهب التى أملكها
ردت السمكة:
- ولكن هناك فجوة ضيقة جدا تقود إلى أحد الكهوف.. وقد أخبرت صديقاتى الأسماك أنك تستطيع المرور عبرها بسهولة فسخروا منى وأخبرونى أن هذا مستحيل
رد الأخطبوط بعصبية:
- بالطبع أستطيع.. فقد دلينى على هذه الفجوة
اقتادته السمكة إلى ذلك الكهف المهجور ذى الفتحة الضيقة فبدأ الأخطبوط برغم صعوبة المهمة فى ضغط جسده المرن ونجح بعد معاناة فى الدخول عبرها إلى الكهف.. عندها ظهرت فجأة أعداد كبيرة من الأسماك تعاونت مع السمكة الذهبية فى حمل صخرة ثقيلة بسرعة وسدوا بها فتحة الكهف.. راح الاخطبوط يصرخ مستغيثا وقد أدرك الحيلة.. تركته السمكة الذهبية يوما كاملا بداخل الكهف يعانى من الوحدة والجوع حتى عادت إليه فى اليوم التالى ووقفت على مخرج الكهف المسدود تقول فى سخرية:
- كيف حالك أيها الاخطبوط العظيم
- افتحى باب الكهف أرجوك
- هل تعلمت الآن أن تحسن التصرف وألا تستخدم الهبات التى وهبك الله إياها فى مضايقة الآخرين؟
- نعم تعلمت
- حسنا سنخرجك بشرط أن تتوقف عن إزعاجك للآخرين
وبالفعل وعدها الاخطبوط بذلك فتعاونت مع بقية الأسماك فى إزاحة الصخرة عن الباب.. عندها فر الأخطبوط هاربا وقد تعلم لأول مرة درسا قاسيا لن ينساه أبدا ما تبقى له من عمره
قصة ورسوم: شريف منصور
فى تلك الصحراء البعيدة عاش أرنبان شقيقان فى أحد الجحور.. كان الأرنب الأكبر نشيطا دائم الحركة يسعى طيلة النهار للبحث عن طعامه.. أما الأرنب الأصغر فقد كان جبانا يبيت ليله ونهاره بداخل الجحر ويعيش على الطعام القليل الذى كان شقيقه يأتى به إليه من وقت لآخر.. تضايق الأرنب الكبير من سلوك أخيه السلبى.. كثيرا ما نصحه وسأله فى غيظ:
- لماذا لا تخرج لتبحث عن رزقك مثلى وتوفر على عناء البحث عن طعام لكلينا؟ أنت تعلم أن الطعام هنا نادر وبالكاد يكفينا..
وكان الأرنب الأصغر يرد مرتجفا:
- إن الخروج من الجحر لهو مخاطرة شديدة.. لو خرجت سأتعرض للهلاك.. أنت تعرف أننا نحن الارانب فريسة سهلة للكثير من الحيوانات الضارية كالصقور والثعالب والبوم والحيات السامة.. البقاء بداخل الجحر هو عين الحكمة وقمة الأمان
فكان الأرنب الكبير يرد:
- وماذا حدث لى؟ ها أنا ذا أخرج كل يوم طيلة النهار لأبحث عن الطعام وأعود إليك فى المساء سالما..
فيرد الأرنب الصغير:
- يوما ما ستدرك صدق كلامى.. أنت فقط محظوظ لأنك تنجو بحماقتك من كل هذه الأخطار التى لا تدرك بشاعتها
يئس الأرنب الكبير من جعل شقيقه يخرج من الجحر الذى ظل ملازما له ليلا ونهارا، فلجأ إلى سلحفاة حكيمة تعيش فى الجوار وحكى لها مشكلة شقيقه.. فكرت السلحفاة كثيرا ثم وعدت الأرنب الكبير بحل مشكلة شقيقه.. وفى المساء زارتهما السلحفاة الحكيمة فى الجحر وتحدثت بهدوء إلى الأرنب الجبان قائلة:
- هل تعلم أيها الأرنب أنك تضيع الكثير من الفرص الثمينة ببقائك داخل الجحر؟
رد الأرنب:
- الأمان الذى يوفره لى هذا الجحر لهو فرصتى الوحيدة فى البقاء والنجاة
- ولكن المخاطر التى تخشاها تظل مجرد احتمالات.. ولا أحد ينجو من قدره مهما حاول.. وقد يأتيك الخطر من حيث لا تظن
صمت الأارنب الصغير فظلت السلحفاة تحدثه بصبر عن فرصه فى الحصول على طعام وفير بالخارج واستفادته من التجربة من أجل التعلم وتنمية المهارات فبدأ الارنب الصغير يفكر فى حديثها.. ولما أخبرها مترددا أنه يحتاج إلى ضمان قبل الخروج حتى لا يتعرض للمخاطر أخبرته بأنه فوق التبة العالية الواقعة فى شرق الصحراء توجد نبتة اسمها نبتة الشجاعة لو تناولها فسيتخلص من مخاوفه..
فى اليوم التالى تعمد الارنب الكبير ألا يمنح شقيقه طعاما وأخبره بأن عليه من الآن البحث عن طعامه بنفسه.. حاول الأرنب الصغير استعطافه ولكن الأرنب الكبير رد عليه بثقة:
- عليك الذهاب إلى التبة التى أخبرتك بها السلحفاة.. ستخوض المخاطرة مرة واحدة وبعدها ستصير شجاعا ولن تحتاج إلى من يجلب لك الطعام
خرج الأرنب الصغير وهو فى قمة الذعر.. وقطع فى طريقه مسافاة كبيرة باتجاه التبة وهو لا يتوقف عن التلفت يمينا ويسارا فى كل لحظة.. ومع مضيه فى طريقه ازداد شعورا بالثقة.. وفى طريقه تعرض لبعض المخاطر.. فقد شعر بصقر يترصده يطير فى السماء فاستخدم عقله الذى هداه للاختباء فى أحد الأنفاق تحت الأرض فنجا بهذه الحيلة من مخالب الصقر.. وبعد زوال الخطر واصل طريقه وهو يصبر نفسه بأنه اقترب كثيرا من نبتة الشجاعة.. أيضا مر فى طريقه بثعبان ضخم حاول الهجوم عليه إلا أن سرعته التى حباه الله بها جعلته يعدو مبتعدا وينجو من الثعبان البطىء..
وصل الأرنب فى النهاية إلى التبة فصعد عليها.. لم يجد أى نبتة ولكنه وجد السلحفاة تنتظره مبتسمة
قال لها:
- أين نبتة الشجاعة؟
ردت السلحفاة:
- لا توجد نبتة للشجاعة.. إن هذه النبتة بداخلك.. لعلك تعلمت من رحلتك الطويلة الكثير من الدروس.. إن مواجهة المخاطر خير من البقاء طيلة العمر تحت تهديدها.. وأن توقع الأسوأ دائما يضيع فرصا ومغانم كثيرة نحن فى أمس الحاجة إليها..
لم يغضب الارنب وإنما تامل فى كلام السلحفاة.. وفى طريق عودته صادف الكثير من المخاطر التى بدأ يتعلم الطرق المناسبة لتفاديها.. كما وجد فى طريقه الكثير من الطعام اللذيذ الشهى الذى أنساه مرارة الرحلة.
قصة ورسوم: شريف منصور
عاشت قطة جميلة اسمها (سكر) فى منزل يسكنه رجل طيب وزوجته.. كانت تنال الكثير من الرعاية والتدليل.. فى الصباح تجد فى طبقها الملون الصغير الذى نقشت عليه حروف اسمها اللبن اللذيذ.. ووقت الظهيرة تشم رائحة السمك الشهى الذى تطهيه لها زوجة الرجل خصيصا فتعرف أن موعد وجبة الغذاء قد حان.. كما أن وسادتها الملونة الجميلة والتى تم تخصيصها لها فى ردهة المنزل كانت تمنحها أوقاتا من النوم الجميل الهانئ.. وشعرها الجميل كان يتم تصفيفه بصورة مستمرة كل يوم.. حتى اللعب الجميلة الجذابة كان صاحب المنزل يبتاعها لها خصيصا لكى تلهو بها متى تشاء.. كانت تشعر أنها فى جنة حقيقية ولم تتصور قط أن تحيا خارج هذا المنزل المريح الجميل.. إلا أنها كانت تفتقد شيئا ما يصيبها فى بعض الأحيان بالحزن.. كانت وحيدة بلا أصدقاء من بنى جنسها.. وبرغم الحب والحنان الذى كانت تناله من صاحب المنزل وزوجته إلا أنها كانت تتوق إلى الحديث مع قطة مثلها واللعب معها..
وحدث ذات يوم أن باب المنزل كان مفتوحا لبعض الوقت فأطلت منه إلى الخارج فقط لتلقى نظرة.. رأت للمرة الاولى قطة داكنة اللون تعبث فى صندوق القمامة المغلق المجاور لباب المنزل وقد بدا عليها الجوع.. شعرت القطة (سكر) بالفضول فوجهت حديثها إلى القطة الأخرى قائلة:
- من أنت؟ وماذا تفعلين؟
ردت القطة الأخرى بغير اهتمام:
- أنا قطة مثلك كما ترين.. اسمى (شطة) وأحاول البحث عن طعام لأننى أكاد أموت جوعا
نظرت لها القطة (سكر) فى شفقة وقالت:
- يا مسكينة تبحثين عن طعامك فى القمامة.. هذه سرقة قد تعاقبين عليها لو شاهدك صاحب المنزل.. كما أنك تعرضين جسدك للميكروبات والقذارة
ضحكت (شطة) كثيرا وهى تواصل محاولة فتح القمامة ثم قالت فى سخرية:
- سرقة؟ أنا أبحث عن رزقى فقط مثل جميع القطط.. كما أن الميكروبات لا تصيب أمثالى لأن لدى مناعة ضدها..
قالت لها القطة (سكر):
- لو أتيت معى بالداخل فسأمنحك بعض من طعامى وهى فرصة لك لتتعرفين على منزلى
توقفت (شطة) عن محاولاتها ودفعها الفضول إلى أن تتسلل إلى داخل المنزل مع القطة (سكر).. وفى الداخل راحت القطة (سكر) تريها أغراضها الشخصية والأطباق التى تأكل فيها والوسادة التى تنام عليها.. العجيب أن القطة (شطة) لم تبد اهتماما بما رأت بل علت وجهها ابتسامة ساخرة.. سألتها القطة (سكر) عن سر ابتسامتها فقالت لها (شطة):
- أنت مسكينة للغاية.. وحيدة ولا تفعلين شيئا سوى الأكل والنوم
- وهل هناك ما هو أهم من الاكل والنوم للقطط؟
- بالطبع.. هناك الحرية.. هناك الصحبة.. هناك النشاط.. هناك اكتساب المهارات
فكرت القطة (سكر) فى كلام القطة ثم قالت وقد بدأت تشعر بالضيق:
- ألا تأكلين؟
ابتسمت (شطة) وقالت:
- لا أحب أن آكل إلا ما أتعب فى الحصول عليه.. فهذا يكون ألذ بكثير من أى طعام مهما كان شهيا
ثم صمتت قليلا وقالت للقطة (سكر):
- ما رأيك أن تأتين معى قليلا لتتعرفى على منزلى
- هل لك منزل؟
- نعم الشارع هو منزلى المفضل
- ولكن صاحب المنزل سيشعر بالقلق على.. كما أن الشارع ملىء بالأخطار
ردت (شطة) وهى تتأهب للانصراف:
- حسنا كما تريدين.. سلام
- انتظرى أيها القطة.. سآتى معك ولكن لدقائق.. فيجب ألا أتأخر
بالفعل خرجت القطتان إلى الشارع.. كانت القطة (شطة) تجرى بنشاط بينما كانت (سكر) تلهث من التعب ولا تستطيع ملاحقتها.. قفزت (شطة) برشاقة فوق أحد الأماكن العالية وطلبت من (سكر) أن تقفز مثلها.. حاولت (سكر) أكثر من مرة وفشلت فقالت لها (شطة):
- إن قلة نشاطك ولياقتك سببها أنك لا تتعبين فى الصيد أو الحصول على طعامك.. فكل ما تحتاجينه يأتى إليك.. أنت قطة مدللة
شعرت القطة (سكر) بالغيظ الشديد وراحت تراقب (شطة) وهى تقفز هنا وهناك وتلعب مع صديقاتها وتنام مستمتعة فى الشمس فقررت القطة (سكر) العودة إلى المنزل..وعندما عادت شعرت لأول مرة بالحزن.. وبرغم لهفة صاحب المنزل عليها وافتقاده لها عندما غابت تساءلت (سكر) عن فائدة وجودها.. هل هى فقط مجرد دمية أو حيوان أليف؟.. تصاعد الشعور بالوحدة والحزن بداخل القطة (سكر) فاتخذت قرارا مهما.. ستغادر المنزل للأبد وستحيا حياة المغامرة وستكتسب ما ينقصها من مهارات..
وفى أحد الايام غادرت المنزل وراحت تتجول فى الشارع.. ولما شعرت بالجوع حاولت العبث فى صناديق القمامة إلا أنها تلقت ركلة من أحد السائرين وراح بعض الاطفال يطاردونها.. جرت بسرعة فى فزع وكادت تدهمها سيارة مسرعة.. شعرت بالخوف والضياع وبدأت ترتعش من الجوع والبرد.. فجأة شعرت بيد حانية تلتقطها برفق.. كانت يد صاحب المنزل الذى نزل ليبحث عنها فى الشارع.. اقتادها برفق إلى المنزل ووضع لها طعاما دافئا ونظفها من القذارات التى كانت تغطى جسدها ثم قال لها فى هدوء وحنان:
- أيتها القطة العزيزة.. إن القطط الضالة الأخرى تشعر بالحسد تجاهك لأنها لا تنال نفس الحب والرعاية.. ولا تتمتع بالحرية التى تظنها لأنها تعانى من قسوة البشر وافتقاد المأوى وقلة الطعام.. فقط هم يبررون لأنفسهم الحال السيئ الذى يعيشون فيه.. كما أن دورك يا (سكر) فى إسعادنا وإضفاء البهجة على المنزل لا يماثله أى دور.. لماذا تبحثين عن المعاناة وقد منحك الله نعما كثيرة.. أعلم أنك وحيدة ولكن.. سنعالج هذا الأمر
وفى اليوم التالى فوجئت القطة (سكر) بقط جديد أبيض اللون يحمله معه صاحب المنزل.. قال لها:
- أعرفك على صديقك الجديد (بياض).. لقد ابتعته خصيصا من أجلك.. من الآن ستعيشان سويا فى هذا المنزل
كادت القطة (سكر) تطير من الفرح وراحت تلعب مع (بياض).. ومع مرور الأيام اختفى شعورها بالوحدة.. وصارت نشيطة لأنها كانت تمضى أغلب الأوقات فى اللعب مع (بياض) الذى ملأ أوقات فراغها بالنشاط والحيوية.. وأدركت القطة (سكر) أنها فى نعمة حقيقية.. وأنها قادرة على اكتساب جميع المهارات بالنشاط والحركة والصحبة الجميلة.. صحبة البشر.. وصحبة (بياض)..
قصة ورسوم: شريف منصور
بينما كان رجلان يرتحلان فى الصحراء على ظهر جمل ضلا طريقهما.. ومضت الأيام دون أن يعثرا على مخرج من هذه الصحراء المترامية.. ونفد ما كان معهما من ماء وزاد فأصابهما الجوع الشديد والعطش.. كما أن الجمل توقف عن السير ورقد على الأرض بلا سبب مفهوم ورفض أن يتحرك.. أيقن الرجلان بهلاكهما المحقق واستعدا للهلاك.. كان الرجل الأول يدعى (زياد) وهو رجل صالح طيب القلب نقى السريرة.. أما الآخر فكان اسمه (شداد) وكان خبيثا ماكرا.. وبينما كان (زياد) يسير فوق الرمال بلا هدف وقد أنهكه التعب اصطدمت قدمه بشىء بارز فسقط أرضا وهو يئن من الألم.. سمع (شداد) صياحه فاتجه إليه ليرى ما حل به.. وهنا لاحظ الرجلان أن الشىء البارز الذى اصطدمت به قدم (زياد) كان جزءا من شىء كبير مدفون تحت الرمال.. سارع الرجلان بالحفر وإزاحة الرمال حتى عثرا فى النهاية على صندوق كبير.. وما إن فتحاه حتى وجداه ممتلئا عن آخره بالذهب والجواهر والحلى.. طار عقل (شداد) لرؤية الذهب فقال وهو لا يصدق:
- يا للحظ.. لقد عثرنا على كنز ثمين
قال (زياد):
- وما قيمة الذهب والجواهر ونحن تائهان وعلى وشك الهلاك؟
قال له (شداد):
- اسمع يا (زياد).. كل منا له نصف ما فى هذا الصندوق لو خرجنا من هذا المأزق.. سنصير أثرياء
قال (زياد):
- وكيف سنخرج من هذه المتاهة؟
قال (شداد):
- أنت رجل صالح يحبك الله.. فأكثر من الصلاة والدعاء وسينقذنا الله مما نحن فيه
قال (زياد):
- ونعم الرأى
راح (زياد) يصلى ويدعو الله أن يخرجهما من هذا المأزق ونذر أن يتصدق بنصف نصيبه من المال لو أنقذهما الله.. بينما كان (شداد) جالسا إلى جوار الصندوق يتأمل ما فيه بإعجاب وجشع.. ولما حل التعب ب(زياد) استغرق فى النوم.. هنا قال (شداد) فى نفسه: "هذا الاحمق لا يعرف قيمة هذا الكنز الثمين.. والله لا أعطيه منه شيئا"
ثم أنه سار متسللا حتى وصل إلى الجمل وراح يهزه ويستحثه على النهوض حتى حدثت المعجزة ونهض الجمل.. هنا اعتلى (شداد) ظهر الجمل وأخذ معه الصندوق الثمين وألقى نظرة ساخرة على (زياد) النائم ثم قال بصوت خفيض:
- سلام أيها الأحمق.. أرجو أن تستمتع بإقامتك فى الصحراء
قاد (شداد) الجمل على غير هدى وهو يستحثه على الجرى وقال فى نفسه: "حتما سأجد مخرجا من هذه الصحراء.. وسأصير أغنى أغنياء بلدتى"..
ركض الجمل بعض الأميال حتى شعر بالخطر فتوقف فجأة قاطعا ركضه.. هذا التوقف المفاجئ أطاح بـ (شداد) من فوق الجمل حتى سقط فوق بركة من الرمال المتحركة كانت أمام الجمل مباشرة وراح يغوص فيها.. راح (شداد) يصرخ ويحاول الخروج بلا جدوى.. وكان آخر ما رآه ورأسه تغوص فى الرمال هو الجمل يبتعد وعلى ظهره الصندوق.. عندما بلغت الصرخات العالية مسامع (زياد) سارع بالعدو تجاه مصدر الصوت.. إلا أنه وصل متأخرا فلم يجد سوى الجمل والصندوق.. شعر بالأسى لما حدث وكان التعب قد بلغ منه غايته فواصل ابتهاله إلى الله ثم هوى فاقد الوعى.. لم يعرف (زياد) كم بقى غائبا عن الوعى إلا أنه عندما استيقظ فوجئ بأنه فى خيمة فى الصحراء وحوله بعض البدو.. قال:
- أين أنا؟
رد عليه رجل عجوز قائلا:
- لا تجزع يا ولدى.. نحن بدو نسكن فى هذه الصحراء وكثيرا ما نرتحل على ظهور الجمال.. وبينما نحن فى طريقنا عثرنا عليك فاقد الوعى أنت والجمل فحملناك معنا وأنقذناك
حمد (زياد) الله وقدم له الشيخ الطيب ماءا وطعاما ثم أشار إلى الصندوق قائلا:
- لقد عثرنا على صندوقك يا ولدى.. وبمجرد استردادك لعافيتك سأرسل معك رجلان يقودانك إلى أول الطريق الذى تعود منه إلى بلدتك
شكره (زياد) وأخرج له نصف ما فى الصندوق من ذهب وحلى وقال:
- هذا لك أنت ورجالك نظير إنقاذكم لحياتى
ابتسم الشيخ وقال:
- نحن ما فعلنا ذلك إلا لوجه الله عز وجل ولا ننتظر منك أجرا
قال (زياد) فى امتنان:
- إذن هى صدقة أرجو أن توصلها للفقراء والمحتاجين ممن يقيمون فى الصحراء وأرجو الله أن يتقبلها منى
ولم يمض اليوم حتى قاد الرجال (زياد) وجمله إلى أول الطريق وقد أمدوه بالزاد والماء.. وبعد يومين بلغ (زياد) بلدته وصار من الأثرياء.. وراح ينفق أمواله على الفقراء والمحتاجين وهو يشكر الله على فضله العظيم
مستوحاة من التراث - قصة ورسوم: شريف منصور
فى إحدى القرى عاش فلاح اسمه (صابر).. وكان (صابر) كسولا جدا، يمضى أوقاته فى النوم تحت الأشجار، أو السير فى الطرقات بلا هدف.. وفى أحد الأيام وبينما كان سائرا فوجئ بجرة ملقاة على جانب الطريق، فاقترب منها.. وعندما حملها ونظر داخلها تملكه العجب، فقد كان فى قاعها قزم لا يتجاوز طوله ثلاثة بوصات
قال (صابر) فى دهشة: "من أنت أيها المخلوق الغريب؟"
أجابه القزم: "أنا قزم وحيد ومسكين واسمى (سمسم).. خذنى معك يا (صابر) أرجوك.. سنلهو معا وستحبني كثيرا"..
ابتسم (صابر) وقال: "فكرة جميلة.. ستكون لى تسلية رائعة أيها القزم"..
وانطلق (صابر) بالجرة نحو كوخه، و عندما وصل حمل القزم على راحته وأنزله برفق على الأرض ثم أشار إلى كوخه قائلا: "هذا هو بيتى يا (سمسم) وآمل أن يعجبك"...
وفى صباح اليوم التالى خرج (صابر) للنزهة كعادته، وأمضى نهاره يتسكع هنا وهناك فى طرقات القرية.. وعندما عاد إلى كوخه آخر النهار فوجئ بعملاق يحتل المكان، وعندما أمعن النظر فيه تبين له أنه القزم (سمسم) الذى أخرجه من الجرة وأسكنه كوخه.. صاح (صابر) بفزع: "يا إلهى!! كيف أصبحت بهذا الحجم يا (سمسم)؟"
رد (سمسم): "هذا سر لن أبوح لك به يا (صابر).. وعليك منذ هذه اللحظة أن تقوم بخدمة (سمسم) العملاق و تنفذ كل رغباته وإلا..."
قال هذا وهو يرفع قبضته الجبارة مهددا، فذعر (صابر) وقال بخوف: "حاضر.. حاضر.. سأنفذ كل ما تطلبه منى يا (سمسم)"..
وقام (صابر) على خدمة (سمسم) وتنفيذ طلباته التي كانت مرهقة، فكان يحضر له عصير البرتقال فى الصباح، والفاكهة الطازجة عند الظهر، والخبز مع الجبن أو الزيتون فى المساء.
وفى الصباح خرج (صابر) للتنزه والتسكع، و عندما عاد أبصر العملاق قد نما أكثر وأكثر حتى ضاق به الكوخ، فصرخ (صابر): "ياللهول، سيحطم كوخى"!
وأمضى (صابر) ليلته أمام باب كوخه دون نوم بسبب الخوف.. وفى الصباح، ذهب يتنزه فى الطرقات والحقول، فأبصر جاره العجوز (حسان) يعمل فى حقله و قد هده التعب، استنجد العجوز بجاره (صابر) قائلا: "ألا تساعدنى فى حصاد القمح يا (صابر)؟"!
فكر (صابر): "ليس لدى رغبة فى العمل، لكننى أخجل أن أرفض طلب هذا العجوز"
وراح (صابر) يعمل فى الحقل بهمة و نشاط.. وما إن شارفت الشمس على المغيب، حتى كان قد أنجز مع جاره حصاد نصف الحقل.. قال الجار: "لقد أنجزنا الكثير، شكرا لك يا (صابر) على مساعدتى"..
قال (صابر): "بل الشكر لك.. فأنا أشعر بسعادة كبيرة بعد عمل يوم كامل"
وعندما عاد (صابر) إلى كوخه، كانت هناك مفاجأة فى انتظاره.. لقد تضائل حجم (سمسم) قليلا
تسائل (صابر): "ما السر فى ذلك يا ترى؟"
وفى اليوم التالى، خرج (صابر) إلى الحقول، فسأله جاره العجوز (حسان): ألا تساعدنى اليوم أيضا يا (صابر)؟
رد (صابر): "بلى بلى، انتظرنى.. سأحضر منجلى فهو حاد جدا".. وعندما عاد (صابر) بعد الظهر إلى كوخه، فوجئ أكثر، لقد تضائل حجم (سمسم) كثيرا فخاطبه: "ياه.. لقد تضائلت كثيرا يا صاحبى!"
قال (سمسم): "لقد خاب ظنى بك.. لماذا تحمل منجلك كل يوم و تمضى لمساعدة جارك؟ ألا تعرف أن عملك هذا يجعلنى أتضائل أكثر؟"
وصار (صابر) يذهب يوميا إلى الحقول لمساعدة كل من يطلب المساعدة منه، وفى إحدى المرات عاد إلى كوخه فوجد (سمسم) قد عاد إلى حجمه الأول، فصاح به: "ها.. وآلان ما رأيك يا (سمسم)؟"
قال (سمسم) متوسلا: "أرجوك يا (صابر) أعدني إلى جرتى و ضعنى على قارعة الطريق، أخشى إذا استمر الحال هكذا أن يأتى يوم أتلاشى فيه".
قال (صابر): "هذا ما سافعله يا عزيزى".. ثم تناول القزم وألقاه فى الجرة قائلا: "العمل هو عدوك إذن أيها القزم".
قص (صابر) حكايته مع القزم على جاره الحكيم (عدنان) فلم يعلق عليها بل ابتسم و قال: "القزم هو الكسل، يظل قزما إذا لم يهتم أحد به".. أما سكان القرية فقد صدق بعضهم حكاية (صابر) وشكك بها بعضهم الآخر.. لكن أحدا منهم لم يفكر بالنظر إلى الجرة.. كانوا جميعا نشيطين، ولا وقت لديهم للبحث عن الكسل.
قصة ورسوم: شريف منصور
فوق سطح إحدى البنايات كانت تعيش بطة بيضاء مع أطفالها البطات الثلاثة الصغيرة.. كانت البطة ملكا لامرأة من ساكنات البناية، وكانت المرأة صاحبة البطة تربيها فوق السطح المتسع وتقوم بين الحين والآخر بالصعود إليها وإطعامها من الحبوب ثم تغادر بعدها السطح وتغلق بابه المعدنى بإحكام حتى لا تهرب البطات.. وحدث ذات يوم أن دخل هذه البناية قط ضال للبحث عن طعام.. راح يتجول فى البناية حتى وصل إلى السطح.. ولأنه كان رشيقا خفيف الحركة فقد استطاع تسلق الباب المعدنى والدخول إلى السطح المتسع.. راح يتفقد السطح فى فضول حتى وقع بصره على البطة الكبيرة والبطات الصغيرة.. سال لعابه عندما رأى البطات الصغيرة وشعر بالجوع يمزقه.. وتذكر لحظتها حديث واحد من أصدقائه القطط الذى حكى له يوما عن مذاق البط اللذيذ فقال فى نفسه: "يالها من وجبة! ثلاثة بطات صغيرة لذيذة الطعم".. اقترب القط الضال من البط الصغير، وما كاد يصل إليه حتى هبت البطة الأم وراحت تطارده فى شراسة دفاعا عن بطاتها الصغار، ونقرته نقرا مؤلما دفعله لتسلق سور السطح واللهاث.. بدأ يفكر فى هدوء فى طريقة لإبعاد البطة الكبيرة عن أطفالها الصغار، وبعد قليل استقر على فكرة ذكية.. هبط من السور وقال للبطة الكبيرة من مسافة مأمونة:
- لماذا هاجمتنى أيتها البطة؟.. كنت فقط أود اللعب مع بطاتك الصغار والائتناس بكم
ردت البطة فى غضب:
- حذار من الاقتراب ولا تحاول خداعى.. فأنت قط مفترس لا أمان لك
قال القط فى براءة مصطنعة:
- أيتها البطة الطيبة أنت تظلمينى كثيرا.. وإثباتا لحسن نيتى فسأقدم لك نصيحة ثمينة جدا.. هل تعرفين السبب الحقيقى لوجودك فوق هذا السطح؟
قالت البطة فى حذر:
- نعم.. إن المرأة الطيبة التى تربينا توفر لى ولأطفالى المأوى وتطعمنا باستمرار لأنها تحبنا
ضحك القط فى سخرية حتى سالت دموعه ثم قال:
- يالك من مسكينة ساذجة.. إن صاحبتك تطعمك حتى تصيرين سمينة ثم فى النهاية تقوم بذبحك وأكلك
- أنت كاذب
- حسنا.. فكرى فى الأمر بترو وسأعاود المجىء غدا.. ولو كنت قد اقتنعت بكلامى فسأقدم لك حلا جيدا للنجاة من هذا المأزق
غادر القط البناية تاركا البطة فى خواطرها السوداء.. وعندما عاد فى اليوم التالى فوجئ بها تقول له:
- ما نصيحتك أيها القط الحكيم؟
ابتسم القط فى دهاء وقد أدرك أن خطته نجحت ثم قال للبطة:
- حسنا.. عليك بالتوقف عن تناول الطعام الذى تجلبه لك صاحبتك.. أو كلى طعاما قليلا جدا يبقيك حية.. مع الوقت ستنحفين ويهزل جسدك وهذا سيؤجل المصير الذى ينتظرك لأن صاحبتك لن تأكل بطة هزيلة أبدا.. وسيمنحنا هذا الوقت للتفكير فى طريقة لمغادرة هذه البناية.. سأتركك الآن وسأعاود الاطمئنان عليك كل يوم
تركها القط الخبيث تفكر فى نصيحته، وبالفعل فى الأيام التالية قللت البطة من تناولها للطعام وبدأ جسدها يهزل يوما بعد يوم حتى أصابها الضعف والوهن.. وعندما أدرك القط أنها صارت غير قادرة على الدفاع عن بطاتها قرر بدء الهجوم.. راح يطارد بطاتها الصغار ليفترسهم دون أن تستطيع البطة الأم اللحاق به وحماية صغارها بسبب ضعفها الشديد، وعندما حاصر البطات الصغيرة فى ركن السطح واستعد لافتراسهم فوجئ بركلة قوية تطيح به بعيدا.. صرخ فى ألم ونظر فإذا بالمرأة صاحبة البطة تطارده بعصا فى يدها وهى تقول:
- ارحل أيها القط الشرير اللئيم
راح القط يجرى والمرأة تطارده.. ولما فوجئت البطة الكبيرة بباب السطح مفتوحا تحاملت على نفسها وسارعت بحمل بطاتها الصغار فوق ظهرها مستغلة انشغال المرأة وخرجت بهن من السطح.. بعد جهد جهيد وصلت البطة إلى الشارع واختبأت فى أحد الطرق الجانبية وهى تلهث من الإرهاق.. عندها فوجئت بطفلة صغيرة تصيح:
- أبى.. إن هذه البطة بحاجة لمساعدة.. هل يمكننى أخذها معى للمنزل؟
كان آخر ما رأته البطة قبل أن تفقد الوعى رجل يحملها فى رفق هى وبطاتها الصغار ومعه ابنته الصغيرة.. وعندما أفاقت وجدت نفسها فى مكان مريح بداخل أحد المنازل، وسمعت صوت الطفلة الدافئ الحنون تقول لها:
- لقد انتهت معاناتك أيتها البطة الباسلة.. سأربيك عندى أنت وبطاتك فى الشرفة وسأعمل على مداواتك.. هل تقبلين بصداقتى؟
ابتسمت البطة الأم فى إرهاق وهى تتامل الطفلة وهى تداعبها هى وبطاتها الصغيرة فى حنان وأدركت وقتها أنها بلغت بر الأمان وأنها ستتجاوز محنتها.
قصة ورسوم: شريف منصور
فى تلك المزرعة الهادئة عاشت دجاجة طيبة اسمها (قمر).. وضعت (قمر) مجموعة من البيض وراحت كل يوم ترقد عليه وهى تحلم باليوم الذى يفقس فيه وتخرج منه الكتاكيت الصغيرة الجميلة.. راحت تتخيل أشكال الكتاكيت بل واختارت لكل كتكوت منهم اسما جميلا من قبل حتى أن تراه.. مرت أسابيع قبل أن تسمع (قمر) صوتا جميلا محببا.. صوت قشر البيض وهو يتشقق.. دق قلبها فى سعادة وراحت تراقب الكتاكيت وهى تحاول الخروج من البيض.. بدأت الكتاكيت الصفراء الجميلة تخرج واحدا تلو الآخر وتتصايح وتتحرك هنا وهناك.. لاحظت (قمر) أن هناك بيضة لا تزال لم تفقس بعد والكتكوت الموجود بداخلها يجاهد للخروج فاستخدمت منقارها لمساعدته فى إزالة القشر.. بعد دقائق خرج الكتكوت من البيضة.. اندهشت (قمر) من شكل وهيئة ذلك الكتكوت، فقد كان لونه البنى الداكن كئيبا للغاية على عكس باقى الكتاكيت الصفراء الجميلة.. إلا أنه اتجه إلى أمه يلتمس منها الدفء والحنان فشعرت تجاهه بالحنان البالغ وقالت له:
- أنت كتكوت غريب ومميز لذا فسأسميك (فريد)!
مضت الأيام وبدأت الكتاكيت تكبر قليلا وتتعلم من أمها كيفية العيش فى المزرعة.. ولاحظت (قمر) بكل أسف أن أبناءها الكتاكيت كانوا يسيئون معاملة (فريد) ويسخرون دوما من لونه البنى الكئيب ويجعلونه مادة للسخرية.. وكثيرا ما نهرتهم عن ذلك.. وكانت كل مرة تمسح دموع (فريد) قائلة:
- لا تحزن يا (فريد).. ليس عيبا أن يكون لونك مختلفا.. العيب الحقيقى هو أن تكون قبيح النفس سيئ الخلق.
حاول (فريد) كثيرا التودد إلى إخوته ومشاركتهم فى اللعب ولكنهك كانوا دائما ما يصرخون فى وجهه ويسخرون منه قائلين:
- لا تلعب معنا أيها الكتوكت الكئيب
وفى أحد الأيام غابت الأم قليلا فقرر واحد من الكتاكيت الخروج للتنزه فى المزرعة بعيدا عن مراقبة الأم فتحمست كل الكتاكيت للفكرة.. إلا أن (فريد) حذرهم قائلا:
- لا تخرجوا للتنزه بدون أمى فأنتم لا تزالون صغارا عرضة للإصابة بالأذى.. الأفضل أن تبقوا إلى جوارها.
انهالت التعليقات الساخرة من الكتاكيت على (فريد).. قال واحد من الكتاكيت:
- لماذا تتدخل فيما لا يعنيك أيها الكئيب؟
وقال آخر:
- احتفظ بنصائحك لنفسك أيها الكتكوت الجبان وابق أنت فى أحضان أمك فليست هذه النزهة للأطفال!
استمر (فريد) فى نصحه لهم إلا أنهم تجاهلوه تماما وخرجوا فى اتجاه الساحة البعيدة للمزرعة المليئة بالصخور.. شعر (فريد) بالخوف على إخوته، فهو يحبهم ويخاف عليهم برغم ما يلقاه منهم من أذى.. اضطر للحاق بهم حتى يحميهم من حماقاتهم.. وبرغم صياحهم فيه ورفضهم لوجوده إلا أنه استمر ملازما لهم كظلهم.. وفى تلك الساحة البعيدة راحت الكتاكيت تلعب وتتفحص الصخور فى فضول.. إلا أنه بعد دقائق سمع الكل صوت أجنحة عملاقة تخفق، وفوجئوا بظل كبير يهبط عليهم من السماء.. كان صقرا كبيرا مفترسا يهوى على الكتاكيت رغبة فى افتراسها.. فات أوان الهرب فقد كان الانقضاض سريعا، كما كانت ألوانهم الصفراء الملفتة لا تساعدهم على التخفى والاختباء.. راح الصقر يفترس الكتاكيت وسط حالة من الهلع والرعب أصابت الكل.. لم يستطع (فريد) المساعدة، والغريب أن لونه الداكن المشابه للصخور الكثيرة نجح فى إخفائه تماما عن عينى الصقر الذى لم يلاحظ أصلا وجوده.. وبعد أن افترس الصقر جميع الكتاكيت طار مبتعدا تاركا (فريد) يرتجف من الحزن والخوف والألم.. وصلت (قمر) متأخرا على صوت الصياح وجرت صوب (فريد).. احتضنته فى حنان بالغ وقص هو عليها وسط دموعه ما حدث.. شعرت (قمر) بالحزن والألم إلا أنها قالت لفريد:
- أحسنت صنعا يا ولدى بنصحك لإخوتك وحرصك عليهم.. إلا أنها مشيئة الله وعزائى الوحيد أن الله أبقى لى واحدا من صغارى هو أنت.. لقد أنقذك الله بسبب لونك الداكن الذى كان مثار سخرية إخوتك منك.. ولولا لونك المختلف لما كنت موجودا الآن إلى جوارى.. فهل تعلمت أن رب ضارة نافعة؟ وأن الاختلاف له فوائد؟
قصة ورسوم: شريف منصور
وفد غراب طيب القلب إلى أرض خضراء جديدة ملآى بالأشجار والزهور الجميلة وأنواع الطيور التى تباينت أشكالها وأحجامها وألوانها.. وقرر الاستقرار بالمكان لما به من رزق وفير.. وبرغم أن الغراب كان طيب القلب لا يؤذى مخلوقا ولا يفتعل المشكلات إلا أن لونه الأسود القاتم وقبح صوته حالا دون تقبل الطيور الأخرى له.. ، وبرغم أنه كان دوما ما يحاول التودد لجميع الطيور: العصافير والحمام والهداهد والبط إلا أن محاولاته المتذللة كانت تبوء بالفشل.. وكثيرا ما كان يبكى وحيدا فوق الشجرة التى يسكنها وهو يتسائل فى مرارة: ما ذنبى فى أن لونى أسود أو أن صوتى قبيح؟ هل اختار أحد شكله أو صوته أو هيئته؟ ولماذا يرفض الكل صداقتى برغم أننى كثيرا ما أتودد إليهم؟ هل قدرى أن أعيش وحيدا فى هذا المكان الجديد؟
وفى أحد الأيام اتخذ الغراب قرارا خطيرا.. عليه أن يغير هيئته حتى ينجح فى مصادقة أحد الطيور.. راقب جميع الطيور واختار الطاووس الذى كان يتمتع بأجمل هيئة وأحلى حلة من بين كل الطيور.. وتأمل فى حزن الطيور الكثيرة وهى تلتف حول الطاووس وتتبادل معه المزاح والحديث.. قال فى نفسه: "لو كانت لى هيئة كهيئة هذا الطاووس لنجحت فى اقتحام قلوب جميع الطيور".. انتظر الغراب أياما عديدة فى صبر.. كان يلاحظ أن الطاووس الملون الجذاب يفقد ريشة من ريشه الجميل كل بضعة أيام عندما تسقط لتنمو ريشة أخرى مكانها.. استمر الغراب يلتقط كل ريشة تسقط من الطاووس بلا ملل حتى تجمعت لديه مجموعة من الريش الجميل.. ولما صار لديه عدد كاف من الريش غطى به جسده الأسود فصار شكله مختلفا تماما..
فى اليوم التالى خرج من شجرته فى هيئته الجديدة فانتاب الفضول بعض الطيور.. اقتربت منه حمامة بيضاء جميلة ولما بدأ فى التحدث إليها ارتاعت لقبح صوته فطارت مبتعدة.. حاول الغراب ثانية التودد إلى عصفور صغير وتعمد أن يغير قليلا من نبرة صوته إلا أن العصفور شعر بعدم الراحة فمل من الحديث معه وطار مبتعدا.. قال الغراب فى نفسه: لعل الحيلة تنجح مع طائر آخر".. تكررالأمر مع أغلب الطيور حتى مل الغراب من المحاولة.. وبينما كان يسير باحثا عن طعام سمع صوت أنين قرب البحيرة فاقترب من مصدر الصوت بدافع الفضول.. فوجئ ببطة كبيرة صفراء اللون ترقد على الأرض وهى تتألم.. ولما دنا أكثر صاحت به: أنقذنى أيها الطائر الجميل.. إننى مريضة ولا أقوى على الحركة.. ساعدنى وأحضر لى طعاما حتى أتناوله أنا وأطفالى".. سر الغراب كثيرا لما وصفته بالطائر الجميل وشعر بأن حيلته أتت ثمارها أخيرا.. راح بدافع الشهامة يجمع الحبوب والأسماك للبطة الصفراء وأدى مهمته على الوجه الأكمل.. بعدها عاد للبطة وساعدها فى تناول الطعام ثم أطعم بطاتها الصغار وراح يرعاهم بصبر وحنان.. لم يكن الغراب قد لاحظ أن ريشه الملون الذى كان يكسو به جسده قد تساقط معظمه فى أثناء حركته طيلة النهار وعادت له هيئته القديمة.. شكرته البطة كثيرا وراحت تتبادل معه الحديث.. آنس الغراب للبطة وراح يبادلها الحديث ويلهو مع صغارها حتى جاء المساء.. وقبل أن يرحل عائدا إلى بيته طلبت منه البطة أن يقود أطفالها للبحيرة لكى يسبحوا قليلا قبل النوم.. رحب الغراب بذلك واصطحب الصغار للبحيرة.. وهناك انعكست صورته على صفحة ماء البحيرة فرأى هيئته الحقيقية واكتشف أن حلته المزيفة قد سقطت.. صرخ فى جزع وحاول الاختباء أو الهروب إلا أن صوت البطة الصفراء التى استعادت بعضا من قوتها أتاه من خلفه قائلا:
- إلى أين أنت ذاهب أيها الغراب؟
لما سمع الغراب عبارتها طأطأ برأسه للأرض فى خجل وأدرك أن حيلته انكشفت.. سالت من عينه دمعة ثم قال للبطة:
- آسف لأننى خدعتك.. أعلم الآن أنك تحتقرينى ولا ترحبين بمعرفتى بعد الآن..
ابتسمت البطة فى حنان ثم قالت:
- أنت لم تخدعنى.. لقد عرفتك من أول لحظة تكلمت فيها وسمعت صوتك وأدركت أنك ترتدى قناعا لا يناسبك.. وربما شاءت الأقدار أن أمرض وتتخلى عنى جميع الطيور حتى أتعرف عليك.. أعترف أننى فى البداية لم أتحمس لطلب مساعدتك ولكننى كنت مضطرة لأننى كدت أهلك أنا وصغارى من الجوع.. والآن بعد أن رأيت بعينى جوهرك النفيس ومروءتك وحنانك وطيبة قلبك زالت كل خواطرى القديمة.. مم تخجل أيها الغراب؟ ارفع رأسك واعتز بنفسك.. لقد صنعت معروفا لم يفعله معى أقرب الأصدقاء.. لا ذنب ولا حيلة لك فى هيئتك التى تظلمك.. إن أجمل الطيور وأبهاها لا يملك طيبة قلبك وتعاونك.. لقد ساعدتنى فى الوقت الذى رفضت فيه كل الطيور الجميلة والمغردة وأولها الطاووس مساعدتى.. إنى أراك الآن فى أحسن صورة لأن الجمال الخارجى يذوى ويذبل وبمجرد التعود عليه يفقده بريقه.. أما جمال الروح والجوهر فهو الذى يبقى ويجذب القلوب.. ربما لم تحاول الطيور تقبلك لأنهم كانوا يحكمون بالظاهر فقط.. وربما تكون أنت السبب لأنك لا تقيم نفسك - مع كل ما لديك من صفات جميلة - إلا على أساس الهيئة.. وساعدت بخجلك من نفسك - دون أن تدرى - فى إضعاف عزيمتك وإظهارنفسك بصورة ذليلة ضعيفة عاجزة أمام بقية الطيور ففقدت مصداقيتك..
أضاءت الكلمات عقل الغراب كشعاع الأمل فرفع رأسه فى اعتزاز وقال للبطة:
- أشكرك أيتها البطة الطيبة.. إن كلماتك بالفعل لا تحوى إلا الحقيقة
وعندما عاد الغراب لشجرته قرر أن يكون نفسه ولا شىء آخر.. وفى الأيام التالية تغيرت مشيته المنكسرة وصار واثق الخطا.. فلم يعد يحاول التذلل.. بل راحت أفعاله الطيبة تتحدث عنه فاكتسب الكثير من الاحترام والأصدقاء مع الوقت.. وبعدما كان يسمع السخرية منه فيما مضى فيشعر بالضآلة والتخاذل صار يشفق على من يسخر منه لأن الله لم يعط له قدرة على التقييم الصحيح.. ولما كثر عدد أصدقائه وصارت الطيور الجميلة تحسده على شعبيته تذكر كلمات صديقته البطة وابتسم
قصة ورسوم: شريف منصور
أصاب غراب جوع شديد فراح يبحث عما يسد به جوعه، ومر بالصدفة بحديقة أحد المنازل الريفية فهبط إلى أرض الحديقة وراح ينقر فى الأرض بحثا عن أى شىء يأكله.. عثر على بقايا رغيف خبز قديم فأصابه الإحباط ولكنه قال: "لا بأس.. على كل حال هو أرحم من الجوع".. فى نفس الوقت مر بالحديقة سنجاب صغير بنى اللون أصابه ما أصاب الغراب من جوع.. وعثر على حبة جوز صغيرة بأرض الحديقة فقال فى تأفف: "حبة جوز واحدة.. كيف ستشبع جوعى؟".. تأهب كل من الغراب والسنجاب لأكل ما عثرا عليه من طعام متواضع إلا أنهما فوجآ بما لم يكن فى الحسبان، فقد خرج من المنزل الريفى طفل صغير مسرعا ووضع على المنضدة الموجودة بالحديقة شىء ما ثم عاد مسرعا إلى المنزل.. شم الغراب والسنجاب رائحة طعام طيبة للغاية أسالت لعابهما.. طار الغراب مسرعا وحط على المنضدة فى نفس الوقت الذى قفز فيه السنجاب على المنضدة.. فوجئ الاثنان بفطيرة تفاح كبيرة ساخنة على سطحها قطع من المكسرات اللذيذة وحبة كرز عملاقة.. ألقى الغراب بقطعة الخبز وألقى السنجاب بحبة الجوز واقتربا من الفطيرة وقد سال لعابهما..
قال الغراب للسنجاب فى عدوانية واضحة وهو متأهب للهجوم:
- هذه الفطيرة لى.. أنا الذى سبقتك بالهبوط على المنضدة وأنا أول من عثر عليها
رد السنجاب فى غضب:
- بل أنا الأحق بها لأننى أقيم بقرب المنزل وآتى إلى هنا كل يوم.. أما أنت فغريب عن الحديقة
- بإمكانك البحث عن الطعام فى مكان آخر.. وأشجار الجوز محيطة بالمكان ويمكنك البحث عن رزقك بعيدا
- أنت طائر.. تستطيع التحليق عاليا واستخدام بصرك القوى فى العثور على طعام
دار بينهما جدال طويل واشتدت بهما حدة الحوار حتى قال الغراب:
- حسنا.. لا مفر من اقتسام الفطيرة.. ولكن سأعطيك الربع فقط وآخذ أنا ثلاثة أرباع لأنك أصغر منى حجما
- بل سآخذ أنا الثلثين وأعطيك الثلث.. فالسناجب لا تشبع بسهولة مثل الغربان
- تذكر أننى أنا الذى عثرت على الفطيرة أولا.. لذا فلى حق فى أكل الجزء الأكبر من الفطيرة
- لا.. بل عثرنا عليها فى الوقت نفسه.. كما أننى أحق بها لأننى أقيم فى المكان
- حسنا.. حلا لهذا الإشكال.. أقترح أن يأخذ كل منا نصف الفطيرة
- موافق.. سآخذ النصف الذى به حبة الكرز الكبيرة
- بل أنا سآخذ النصف الذى به حبة الكرز
اشتد الجدل بالغراب والسنجاب فاقترح الغراب القيام بقرعة لتحديد من سيظفر بالنصف الذى عليه حبة الكرز
أتى الغراب بقطعة حجر صغيرة وقال للسنجاب:
- حسنا.. سنلقى بقطعة الحجر أرضا.. لو سقطت على وجهها سيكون النصف الذى به حبة الكرز لى.. وإن سقطت على ظهرها سيكون لك..
وافق السنجاب فألقى الغراب بقطعة الحجر فسقطت على وجهها.. هلل الغراب وقال:
- هيا لنقتسم الفطيرة
- أنت غشاش لقد تعمدت إسقاطها بطريقة معينة حتى تحصل أنت على النصف الذى به حبة الكرز.. فلنعيد القرعة
راحا يتجادلان ويصرخان ومر بهما وقت طويل على هذا الحال.. وفجأة خرج الطفل الذى أتى بالفطيرة من باب المنزل وأسرع تجاه المنضدة.. طار الغراب وقفز السنجاب.. بينما تناول الطفل الفطيرة وعاد بها إلى داخل المنزل صائحا:
- لقد بردت الفطيرة يا أماه.. يمككنا الآن تناولها
خيم الوجوم والصمت على الغراب والسنجاب وأدركا أنهما ضيعا الكثير من الوقت فيما لا يفيد ولم يغتنما الوقت، وإنما قضياه فى مشاحنات وأوهام لا طائل من ورائها.. وأدركا أن الجشع ضيع عليهما وجبة لذيذة كانت ستسد جوعهما معا.. سارع الغراب بالعودة إلى حيث ألقى بقطعة الخبز.. وسارع السنجاب باحثا عن حبة الجوز.. إلا أنهما لم يعثرا عليهما.. لقد فات الأوان فقد عثر عليهما فأر صغير ابتهج لمرآى حبة الجوز وقطعة الخبز فالتهمهما وانصرف بينما كان الغراب والسنجاب يتصايحان.. تعلم الغرب والسنجاب درسا كبيرا من هذا الموقف وشعرا بالندم الشديد.
قصة ورسوم: شريف منصور
عقدت أدوات المدرسة الخاصة بـ (علاء) اجتماعا طارئا فى تلك الأمسية بعد أن خلد (علاء) إلى النوم كعادته فى ساعة متأخرة.. فما كادت الأدوات المتناثرة فوق المكتب تسمع صوت غطيطه المزعج حتى دبت فيها الحياة فجأة..
نهض القلم الرصاص وهو يتأوه وقد شعر بالألم فى كل جزء من أجزاء جسده.. كذلك نهضت الممحاة وقلم الحبر والمسطرة وفرشاة التلوين.. كلهم كانوا يتأوهون من الألم.. تحامل القلم الرصاص العجوز على نفسه وتنحنح قبل أن يقول للكل فى صوت منخفض ولكنه مسموع:
- أيتها الادوات.. إلى متى نسكت على ظلم هذا الطفل المستهتر لنا؟.. كل منا يعانى من سوء استخدامه لأدواته.. أنا مثلا أكثركم معاناة من سوء معاملته.. فهو لا يكف عن عض وقرض طرفى السفلى كلما راح يفكر فى حل مسألة صعبة.. كما أنه يصر دائما على أن يبرى طرفى العلوى بالبراية ويبالغ فى ذلك حتى ينكسر جزءا من الرصاص الموجود بداخلى فيعاود تلك الفعلة مرات ومرات حتى صرت قصيرا بشع الهيئة بعد أن كنت قلما طويلا جديدا له هيبة ووقار
ردت (البراية) فى خجل:
- ليس لى ذنب أيها القلم الحكيم.. فأنا مجرد أداة.. وللأسف لم أسلم منه أنا أيضا.. فهو يترك دائما بقاياك بداخلى بعد البرى ولا يحرص على تنظيفى حتى كدت أصاب بالتسمم
أما الممحاة فقالت:
- أما أنا فقد تآكلت أطرافى من كثرة استخدامه لى واتسخت بالرصاص وأشعر بأن صحتى لم تعد كما يرام
تدخلت فرشاة التلوين فى الحوار قائلة فى وهن:
- وأنا.. هل سمعتم من قبل عن طفل لا ينظف فرشاته بعد التلوين ويترك بها الأصباغ والألوان حتى تجف ؟!! أشعر بأن شعيراتى تيبست وتساقط منها الكثير
راح كل من الأدوات يطرح شكواه حتى أوقفهم القلم الرصاص بإشارة من يده ثم قال فى لهجة خطرة:
- هذا يكفى.. نحن الآن نبحث عن حل.. هل من اقتراحات؟
اقترحت البراية أن يهربوا خارج المنزل.. واقترحت المسطرة أن يختبئوا فى مكان لا يمكن لعلاء العثور عليهم فيه.. اقترحت الفرشاة أن يتوقفوا عن العمل.. فرفض القلم الرصاص جميع الاقتراحات ثم قال فى لهجة العارف بالأمور:
- أنتم لا تفهمون.. إن لكل منا دور مهم جدا فى حياة علاء ولا يجب أن نتوقف عن أداء واجباتنا تحت أى ظرف.. فقد تم صنعنا لكى نعمل ونفيد.. الهروب لن يحل المشكلة.. والإضراب سيصيبنا بالكسل.. لا أتخيل نفسى يوما أتوقف عن كتابة المعلومات المفيدة والخواطر الجميلة التى يخرج منها الكل بما يفيد.. وأنت أيتها الممحاة.. لا يجب أن تتوقفى للحظة عن مسح كل ما هو سيئ وخطأ وومحوه من الوجود.. وأنت أيتها الفرشاة.. لا تتوقفى عن رسم المناظر الجميلة التى تبهر المتفرج وتشعره بالسعادة
ردت الفرشاة بحيرة:
- إذن ما العمل أيها القلم الحكيم؟
طال صمت القلم هذه المرة وبدا عليه التفكير العميق قبل أن يقول أخيرا:
- إن المشكلة أن علاء لا يعلم ما نحن فيه من معاناة.. فهو برغم كل شىء ولد طيب ولكنه مستهتر.. وهو يعتقد كأغلب البشر أن الجماد لا يتألم ولا يتضرر من سوء الاستخدام.. إذن لا مفر من إبلاغه !
ردت الممحاة فى دهشة:
- وكيف سنبلغه؟ هل نتحدث إليه
- بالطبع لا.. هذه حماقة كبيرة فنحن لنا حياتنا الخاصة السرية ولا يجب أن يعلم أحد أننا نتكلم ونفكر مثل الآدميين
- إذن؟!!
- نحن أدوات أليس كذلك.. أنا أستطيع الكتابة.. وأنت أيتها الممحاة تستطيعين تصويب ما أكتب.. وأنت أيتها البراية تستطيعين بريى.. وأنت أيتها الفرشاة تستطيعين رسم أشكال جميلة.. سنسهر اليوم على عمل فى غاية الأهمية.. أولا سأدخل طرفى المكسور فيك أيتها البراية أولا حتى تقومين ببريى ثم نفتح جميعا كراسة علاء وأكتب أنا فيها كل ما نشكو منه بالتفصيل.. وأنت أيتها الفرشاة ستصبغين أطرافك بالألوان وتبدأين فى رسمنا جميعا ونحن نعانى ونتألم فى دفتر الرسم.. وفى الصباح سيطالع (علاء) ما كتبناه ورسمناه وسيشعر بجرم ما يفعل لأنه فى النهاية ولد حساس
رحب الكل بالفكرة.. وبدأ التنفيذ.. راح القلم يكتب شكواهم فى الورقة فى صبر وتابعته الممحاة بالتصحيح.. كما راحت الفرشاة ترسم رسوما حزينة تحرك المشاعر.. وبعد أن قاربت الشمس على الشروق كان التعب قد أنهكهم ولكن المهمة كانت قد أنجزت على أكمل وجه.. وعندما استيقظ (علاء) عادت الأدوات إلى وضعها الجامد الصامت بينما انتهى (علاء) من غسل وجهه وأسنانه وراح يجمع أدواته استعدادا للذهاب إلى مدرسته.. وفوجئ بصفحة كراسته مفتوحة وبها ما كتبه القلم.. قرأ كل كلمة مكتوبة فى دهشة بالغة حتى انتهى.. ثم طالع الرسمة الموجودة بجوار الفرشاة ورأى فيها صور الأدوات وهى تصرخ وتتألم.. شعر بالذهول وبرغم أنه لم يصدق ما تراه عيناه إلا أنه شعر بالخجل الشديد من نفسه وجلس على طرف سريره يفكر ويفكر.. بعدها نهض فى حماس ولملم أدواته فى رفق وراح يعالجها.. نظف الفرشاة من الأصباغ ونظف الممحاة مما بها من سواد.. وأفرغ البراية من البقايا القديمة.. ثم أمسك القلم الرصاص فى رفق شديد وابتسم وهو يقول له:
- وصلتنى الرسالة أيها القلم العزيز.. ومن اليوم سأبدأ معكم صفحة جديدة ولن أسبب لأى منكم ألما مرة أخرى.
وبالفعل صدق (علاء) فى وعده وتعلم كيف يحترم أدواته ويحافظ عليها
قصة ورسوم: شريف منصور
فى ذلك الشارع الهادئ عاش (يوسف) مع والديه.. ولأنه كان الابن الوحيد لهما فقد كان يبحث دوما عن صديق مقرب يأتنس به ويلعب معه.. لم يعرف عن (يوسف) يوما أنه مشاغب أو مزعج لجيرانه.. إلا أن أحوال (يوسف) تبدلت تماما بعد أن تعرف على (عمر).. صبى من نفس عمره يعيش فى البناية المجاورة تماما.. تعرف (يوسف) عليه فى أحد الأيام عندما سقطت كرة (عمر) بداخل شرفة (يوسف).. يومها حمل (يوسف) الكرة ونزل ليعيدها إلى (عمر) ولم تمض لحظات حتى راحا يلعبان سويا.. شعر (يوسف) بالسعادة لأنه تعرف على صديق جديد واتفقا معا على أن يلعبا سويا كل يوم فى المساء.. يوما بعد يوم لاحظ (يوسف) أن (عمر) صبى مشاغب سيئ الطباع.. فكثيرا ما فوجئ به يقوم بتصرفات مؤذية تسبب أضرارا للجميع.. فكر (يوسف) فى الابتعاد عنه وانقطع عن اللعب معه أكثر من مرة إلا أن وحدته كانت تدفعه دفعا لمعاودة النزول واللعب مع (عمر).. ولأن (عمر) صديق سوء فقد نجح يوما بعد يوم فى إفساد أخلاق (يوسف) وعلمه كيف يشترك معه فى تصرفاته المؤذية.. تعلم منه (يوسف) حيلا شريرة جدا مثل إلقاء قطعة كبيرة من الحجارة على إحدى النوافذ الزجاجية الموجودة بالبنايات، وبعد أن كان الزجاج يتحطم محدثا صوتا مزعجا كان (عمر) و(يوسف) يجريان ليختبئا فى مكان بعيد خوفا من العقاب وهما يضحكان مما فعلا.. أيضا تعلم (يوسف) كيف يشوه جدران البنايات بالرسم عليها بأقلام الفحم حتى يصير شكلها شديد البشاعة.. وأيضا اختطاف الألعاب من الأطفال الأصغر سنا.. أيضا مطاردة القطط والكلاب الصغيرة المسكينة وإفزاعها.. تعلم (يوسف) كذلك كيف يختفى فى الوقت المناسب مع (عمر) دون حتى لا يعرف أحد المتسبب فى المشاكل التى تحدث.. لكنه كان بداخله يشعر بنوع من أنواع وخز الضمير بسبب الاضرار التى كان يسببها للجميع، أما أسوأ حركة تعلمها من صديق السوء فهى إفراغ الهواء من إطارات السيارات المصفوفة أمام البنايات.. كانا يفعلان ذلك فى الظلام دون أن يلاحظهما أحد وفى الصباح يضحكان كثيرا وهما يتأملان صاحب السيارة التى فرغت إطاراتها وهو يصرخ من الغيظ..
وفى أحد الأيام تسلل (يوسف) مع (عمر) تجاه سيارة حمراء كانت تخص ساكنا يقطن فى إحدى بنايات الشارع البعيدة.. وبعد أن تأكدا من أن أحدا لا يراهما راحا يفرغان إطارات السيارة.. بعدها سارعا بالابتعاد وجلسا فى إحدى الحدائق المفتوحة يضحكان.. تسلل النعاس إلى جفون (يوسف) فاستغرق فى النوم دون أن يشعر.. وفجأة سمع صوتا أثار فزعه.. هب من مكانه ففوجئ بأن الحديقة خالية تماما إلا منه ومن (عمر).. نظر للأمام فوجد السيارة الحمراء التى أفرغا للتو إطاراتها تقف أمامهما تماما مصدرة صوتا مزمجرا غريبا.. ارتجف الاثنان خاصة حينما لاحظا أن السيارة بلا قائد.. وفجأة نطقت السيارة قائلة فى غضب: "حانت لحظة العقاب أيها الشقيان.. ستنالا الآن عقابكما على جميع الأفعال السيئة التى اقترفتموها".. لم يصدق (يوسف) و(عمر) ما يسمعانه.. وفجأة بدأت السيارة تتحرك فى اتجاههما.. بدأ (يوسف) و(عمر) يجريان والسيارة الحمراء تطاردهما فى إصرار.. راحا يلهثان من العدو ولم يجدا فى طريقهما شخصا واحدا يمكنه مساعدتهما.. وراحت السيارة تلاحقهما فى كل مكان وهى تردد نفس العبارة: "لن تفلتا من العقاب".. وبعد فترة من العدو بلغ الصبيان شارعا مسدودا فالتصقا بالجدار وهما يرتجفان.. هنا راحت السيارة تضحك وهى تنطلق تجاههما بسرعة وراح (يوسف) يصرخ ويصرخمذهلة.. فجأة وجد (يوسف) عمر يهزه فى عنف قائلا:
- ؟استيقظ يا يوسف.. لماذا تصرخ هكذا
فتح (يوسف) عيناه فوجد نفسه فى الحديقة وقد أدرك أنه شاهد للتو كابوسا مريعا بينما كان نائما.. نظر لـ (عمر) فى دهشة بالغة ثم قام وتركه وراح يجرى عائدا إلى منزله والدموع تغرق وجهه.. وفى المنزل لما شاهده والده يبكى سأله عما حدث فحكى له (يوسف) كل ما حدث واعترف بكل ما فعل وقد استشعر ندما رهيبا.. وبرغم اعترافه إلا أن والده غضب منه غضبا شديدا وأعرب عن استيائه البالغ من سلوكه.. وأخبره أنه معاقب لمدة أسبوعين لن يرى فيهما الشارع ولن ينال مصروفه اليومى.. كما قال له: "لو كنت حقا تشعر بالندم فيجب أن تصلح جميع ما فعلته".. سارع والده بالذهاب إلى والدى (عمر) وأخبرهما بكل ما حدث فتعرض (عمر) لعقوبات شديدة من والديه.. بعدها راح والد (يوسف) يعتذر لجميع الجيران فكان البعض يقبل الاعتذار وكان البعض يصر على دفع ثمن الأضرار التى أصابت ممتلكاته فكان الوالد يدفعها بلا تردد.. وبعد فترة طويلة استقرت الأمور إلا أن (يوسف) صار معروفا بأنه ولد مؤذى فأدرك أن عليه تحمل ثمن أخطائه بشجاعة.. وأدرك (يوسف) أيضا أن الوحدة خير من صديق السوء فقطع علاقته ب(عمر) ولكن الله أبدله بصديق طيب اسمه (حسن) كان قد انتقل لتوه للشارع.. ولأن (حسن) كان حسن الخلق والسلوك فقد انعكس هذا على سلوك (يوسف) وتحسنت أخلاقه.. ولكى يكفر (يوسف) عن أخطائه فقد تبنى مع (حسن) فكرة تزيين وتجميل شارعهما فراحا يجمعان الأطفال المتحمسين وتعاونوا جميعا فى تنظيف الشارع وزراعة الأشجار والكثير من الأنشطة المفيدة التى جعلت جميع الاطفال والآباء ينسون إساءات (يوسف) ويحبونه حبا شديدا.. عندها كان (يوسف) يتأمل فى المعنى العظيم الذى تعلمه من تجربته: الصديق مرآة صديقه!
قصة ورسوم: شريف منصور
(مروان) صبى فى غاية الذكاء والنبوغ.. لا يكف عقله الصغير عن العمل وعن التساؤل عن كل شىء.. من هواياته المحببة الاختراعات ومحاولة إصلاح الأشياء.. فى البداية رحب والداه بالأمر خاصة أن (مروان) كان متفوقا فى دراسته ويعرف جيدا كيف ينظم وقته بين الدراسة والهواية.. كما أن العيب الخلقى والتشوه الذى ولد به فى ساقه والذى كان يجعله يعرج فى سيره ويثير سخرية بعض زملائه جعل والداه يحرصان على تشجيعه وعدم إحساسه بأنه طفل مختلف.. إلا أن الحوادث التى تكررت فى المنزل بسبب هوايات (مروان) جعلتهما فى غاية الانزعاج.. فذات مرة فى أثناء غياب والديه قام (مروان) بمحاولة إصلاح جهاز التلفاز الذى أصابه عطل ما ، قام (مروان) بتفكيك الجهاز إلى قطع صغيرة وراح يحاول معرفة وظيفة كل جزء من مكوناته.. وعندما رأى والده الأمر انزعج بشدة ورفض أن يحاول (مروان) إصلاحه وسارع بالاتصال بأخصائى إصلاح التلفاز.. وذات مرة قام (مروان) باختراع سماعة مضخمة للصوت صنعها من بعض المكونات البسيطة ثم وصلها بجهاز الكاسيت الموجود بغرفته فتسبب فى ضوضاء أزعجت جميع سكان البناية الذين اشتكوا لوالد (مروان) مما فعل ابنه.. مرة أخرى حاول إصلاح سيارة والده فتسبب فى خلل كبير بمحركها.. عاقب الأب (مروان) ومنعه تماما من ممارسة هواياته المدمرة إلا أن (مروان) لم يستسلم فواصل القراءة العلمية المتخصصة لصقل موهبته والتعلم والتجربة على أشيائه الخاصة وابتكار الاختراعات المفيدة الغير مزعجة.. ومع الوقت استطاع (مروان) إبهار معلميه وأصدقائه وأصدقاء والده بنبوغه وعبقريته فبدأ والداه يشعران بالفخر بعدما كانا يشعران بالانزعاج..
وفى إحدى الأمسيات التى كان (مروان) فيها ساهرا يعمل على أحد اختراعاته فوجئ بضوء مبهر يشع من نافذة حجرته المفتوحة.. لفت الأمر انتباهه فنظر من النافذة.. ولاحظ لدهشته شعاع من الضوء العجيب يهوى بسرعة مذهلة من السماء فى اتجاه منزله.. تابع الشعاع ببصره حتى هبط فى (جراج) منزله الذى كان والده يحتفظ فيه بسيارته.. غلب (مروان) الفضول فنزل إلى حديقة منزله وراح يسير فى اتجاه (الجراج) وهو يعرج بساقه المشوهة.. وبعد دقائق بلغ المكان فدلف إليه وهو يشعر بخوف ممزوج بالفضول.. وجد بالداخل ما أثار ذهوله.. كان هناك طبقا طائرا مثل تلك الأطباق التى شاهدها من قبل فى أفلام الخيال العلمى متوسط الحجم يستقر فى ركن الجراج والدخان يتصاعد منه.. أما الأكثر إدهاشا فهو ذلك الكائن الذى كان منكفئا على الطبق يفحصه.. شهق (مروان) فى خوف وتراجع للخلف فلم تساعده ساقه المصابة وهوى أرضا من الحركة المفاجئة.. التفت إليه ذلك الكائن العجيب.. كان يماثل (مروان) فى الحجم والطول إلا أنه كان أخضر اللون أصلع الرأس يرتدى ثيابا عجيبة وله أربعة أصابع فى كل يد بدلا من خمسة.. فوجئ به (مروان) يقول فى هدوء باللغة العربية:
- لا تخف.. لن أؤذيك
سأله (مروان) وهو ينهض مرتجفا: "من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟"
رد الكائن:
- أنا كائن فضائى من كوكب بعيد اسمه (زايجور) خارج مجرتكم، واسمى (سيتا).. كنت فى رحلة استكشافية فى كوكبكم عندما حدث خلل بمحرك سفينتى الفضائية التى تراها فهوت بى إلى هنا.. ويبدو أننى لن أستطيع إصلاحها لأن العطل خطير وأخشى أننى لن أتمكن من العودة إلى وطنى
- كيف تجيد لغتنى؟ وهل ستؤذينى؟
- تقنيات كوكبنا المتقدمة تسمح لنا باكتساب اللغات فى أسرع وقت وإجادتها.. ولقد أمضيت بعض الوقت على كوكبك وأتقنت لغتكم فى وقت قياسى.. لا تقلق لم آت هنا لإيذائك فأنا من كوكب مسالم..
شعر (مروان) بالدهشة مما سمع وراح يتامل المخلوق العجيب الذى اكتسى وجهه بالحزن الشديد.. غلب الفضول (مروان) وهو يتفحص الطبق الطائر فقال لـ (سيتا): انتظرنى لدقائق
غاب (مروان) داخل منزله لبعض الوقت ثم عاد للكائن الفضائى بصندوق يحمل فيه مجموعة من أدوات ومعدات دقيقة يستخدمها فى عمله، ابتسم وقال لـ (سيتا):
- لا تقلق يا صديقى.. أستطيع مساعدتك
راح (مروان) طيلة الليل يحاول إصلاح محرك السفينة.. وبعد أن أوشك الليل على الانتهاء سمع الاثنان صوت المحرك وهو يعلن عودته للعمل.. هلل (سيتا) غير مصدقا وراح يتقافز من الفرحة واحتضن (مروان) قائلا:
- لا أعرف كيف أشكرك يا صديقى.. أنت أذكى المخلوقات التى شاهدتها على كوكبكم.. أستطيع الآن العودة إلى وطنى.. ولكن قبل أن أرحل لدى لك مكافأة ردا لصنيعك معى..
نظر له (مروان) فى تساؤل فأخرج (ستا) من ثيابه قضيبا شفافا يشع بالضوء ووجهه إلى ساق (مروان) المشوهة.. خرج منه ضوء أزرق عجيب أحاط بساق (مروان) لدقائق ثم اختفى.. أصاب (مروان) الذهول فقد فوجئ بأنه يستطيع التحرك بصورة طبيعية وأن ساقه برأت تماما مما كان فيها.. راح يسير ويجرى فى نشاط عجيب فابتسم (سيتا) له فى ود وقال له وهو يدلف إلى مركبته الفضائية:
- هذا أقل ما تستحقه يا صديقى الأرضى.. إننا نملك وسائل متقدمة للغاية لعلاج كل الأمراض.. آسف لأننى لن أستطيع البقاء أكثر من هذا ويجب على الرحيل فورا.. سلام يا صديقى وتأكد أننى سأعاود زيارتك فى وقت آخر
أغلق (سيتا) باب السفينة وطار بالطبق خارجا من الجراج بسرعة مذهلة تاركا (مروان) الذى لوح له فى سعادة بالغة قائلا:
- وداعا يا صديقى وشكرا لك.
قصة ورسوم: شريف منصور
فى إحدى القرى الساحلية البعيدة عاش الناس فى سعادة وأمن ووئام دون أى شىء يعكر عليهم صفو حياتهم.. كان أغلب الرجال يعملون بالصيد، فكان الواحد منهم يخرج فى أول النهار إما يلرمى شباكه فى البحر، أو ليركب قاربه ويتوغل فى المناطق التى يكثر فيها السمك ليبحث عن رزقه ، أو ليمسك سنارته ويقف على الساحل منتظرا نصيبه من السمك.. كان الرزق وفيرا وفى آخر النهار كان كل صياد يعود لكوخه محملا بالخير الكثير من السمك.. عاش فى هذه القرية رجلا عجوزا اسمه (سعيد) عرف عنه أنه لا يهتم بالصيد وعاش حياته كلها فى صنع المركبات الكيميائية والعقاقير والعمل بالعطارة.. ولأن أغلب سكان القرية كانوا أصحاء معافين فلم يكن يقبل على دكانه المتواضع إلا أشخاص معدودين كل فترة بعيدة.. لهذا فقد عاش فى ضيق من الحال
ذات يوم اضطربت المدينة بسبب مجموعة من الحوادث الغريبة.. واحد من الصيادين انقلب به القارب فى وسط البحر لسبب غير معروف وافترس كائن ما ساقه اليمنى.. صياد آخر وجد شباكه ممزقة بفعل أنياب كائن بحرى مجهول.. رجل آخر كان كلبه يعوم فى البحر فاختفى بصورة غامضة.. هذا بالإضافة للقلة الملحوظة فى عدد الاسماك التى راح عددها يتناقص باستمرار.. كانت كل الدلائل تشير لوجود مخلوق بحرى كبير وفد إلى الساحل يسبب الكثير من المشاكل.. لما كشف العم (سعيد) العجوز على ساق الصياد الذى تعرض للهجوم أدرك أن هناك سمكة كبيرة مفترسة تمرح فى المياه بحرية وتهاجم أى جسد متحرك بلا استثناء.. كما لاحظ من شكل التمزقات فى الشباك أنها تمت بفعل أنياب حادة..
فى الايام التالية تكررت الحوادث حتى أن كل أسرة منعت أطفالها الصغار من ولوج البحر والسباحة فيه لأى سبب.. واحد فقط من الصيادين استطاع فى احد الأيام رؤية السمكة العملاقة وهى تقفز من الماء فى ليلة مظلمة.. كانت سمكة ضخمة تعادل حجم رجلين بالغين ولها أسنان حادة.. ولما عاد وأخبر الجميع بما رآه شعر الصيادون بالقلق.. واجتمعوا كلهم لوضع خطة لصيد السمكة.. قال أعظمهم شأنا ويدعى (عرام):
- لن ننتصر على هذه السمكة العملاقة إلا باستخدام القوة.. القوة وحدها.. أريد رجالا أقوياء ليعاونونى فى القيام برحلة بحرية على متن قاربى لصيد هذه السمكة
تدخل العم (سعيد) العجوز الذى كان يسمع الحديث وقال:
- أعتقد أن القوة لن تفيد.. يجب استخدام العقل.. فهذه السمكة ذكية وحذرة وتستطيع المراوغة والإفلات
سخر منه (عرام) وقال:
- اصمت أيها العجوز.. هذا منطق الضعفاء أمثالك.. ماذا فعل لك عقلك سوى أن ضيع شبابك فى تلك العقاقير الفاشلة التى اعتدت على صنعها؟
صمت العجوز وانصرف فى حزن.. فى اليوم التالى خرج (عرام) ومعه أربع صيادين على متن قاربه ومعهم رماح وشباك.. إلا أن السمكة استطاعت بذكاء عجيب مراوغتهم ونجحت فى قلب قاربهم والتهمت أربعة منهم.. وعاد الناجى الوحيد ليقص على الجميع ما حدث.. حاول الصيادون صنع شباك ضخمة قوية ووضعوها فى الماء لكن السمكة كانت تمزق أقوى الشباك.. تكررت حوادث الهجوم وقلت الأسماك فى البحر حتى كف الصيادون عن المحاولة.. كما توقفوا عن استخدام قواربهم وشباكهم.. ومرت القرية بحالة عامة من البؤس وقلة الرزق حتى أن الرجال قرروا الهجرة وترك القرية لتلك السمكة..
وفى يوم ما فوجئ الجميع بعم (سعيد) يطلب قاربا لدخول البحر وقد عزم على القضاء على السمكة.. ضحك الجميع فى سخرية وحاولوا إثنائه عن الفكرة.. فقد كان ضعيف الجسد قليل الحيلة.. لكنه أصر فلم يجد الرجال بدا من تحقيق مطلبه فخسارته لم تكن تقلقهم.. ركب عم (سعيد) القارب ومعه سمكة ميتة بطول ذراعه وتوغل فى البحر.. وعندما بلغ المنطقة التى يكثر تواجد السمكة فيها ربط السمكة التى كانت معه بحبل غليظ ودلاها فى الماء وراح ينتظر فى صبر وهو يدعو الله عز وجل أن ينجح سعيه.. طال انتظاره حتى قاربت الشمس على المغيب.. حتى شعر بهزة قوية فى قاربه وشاهد السمكة العملاقة تبرز من الماء وتفترس السمكة المربوطة بالحبل.. كان يدرك جيدا أن السمكة ستمزق الحبل بكل سهولة وربما تقلب القارب.. إلا أن كل ما كان يهمه هو أن تبتلع السمكة الأصغر حجما.. فقد استخدم عقارا جديدا من صنعه يحوى على مركب شديد السمية وبلا طعم وضعه فى أحشاء هذه السمكة الميتة.. عندما ابتلعت السمكة العملاقة السمكة المسمومة شعرت بهياج عنيف فقلبت القارب بعم (سعيد) وراحت تتقافز فى جنون.. شاهد الكل ما يحدث من بعيد وأيقنوا أنه هالك لا محالة.. إلا أنه لم تمض لحظات حتى توقفت السمكة العملاقة تماما عن الحركة وطفت جثة هامدة.. لم يصدق الصيادون ما رأوه فهللوا وصاحوا وسارعوا بالخروج بقواربهم لانتشال عم (سعيد).. وبعد أن أنقذوه عادوا بالسمكة العملاقة الميتة وألقوها على الشاطئ.. قال أحد الصيادين فى ندم وهو يحتضن عم (سعيد):
- لقد أثبتت لنا أيها الشيخ العجوز أن العقل وحده أقوى من أى سلاح.. وأن هوايتك الأثيرة أنقذت قريتنا كلها من الهلاك.. سنسميك منذ هذه اللحظة (شيخ الصيادين).
هلل الجميع وراحوا يحتضنون عم (سعيد) وأقاموا الاحتفالات بمناسبة القضاء على السمكة.. وعاد السمك الكثير يسبح على الشاطئ فى انتظار شباك الصيادين.
قصة ورسوم: شريف منصور
اليوم يكاد (نادر) يطير من الفرحة ، فوالده سيبتاع له جهاز (كمبيوتر) محمول مكافأة له لأن (نادر) نجح بامتياز فى اختبارات نهاية العام وصار الأول على مدرسته.. عندما عاد الأب من عمله وسمع (نادر) صوته هرع إلى أبيه صائحا:
- أبى أبى.. أين هديتى؟
كان والده يحمل علبة كارتونية كبيرة، ضحك الوالد قائلا لـ (نادر):
- مهلا يا (نادر).. هذه هى هديتك فأنت تستحقها عن جدارة
شكر (نادر) والده فى حرارة.. وبعد أن تناول غداءه راح هو ووالده يفتحان العلبة التى كان بداخلها جهاز كمبيوتر أنيق جذاب، وضعه الوالد فوق مكتب (نادر) وقال له:
- أتمنى أن تستفيد يا (نادر) من هذا الجهاز القيم وتستخدمه فيما صنع من أجله.. الكمبيوتر جهاز مفيد يمكنك من خلاله كتابة المذكرات والبحث عن المعلومات من خلال الإنترنت ومشاهدة الفيديوهات المفيدة وممارسة الألعاب.
ولأن (نادر) كان فى إجازته الصيفية فقد كان لديه الكثير من أوقات الفراغ لتعلم استخدام الكمبيوتر والاستفادة منه.. فى الأسابيع الأولى كان يستخدم الحاسب لبعض الوقت ويمارس هواياته فى الوقت الآخر كالقراءة والخروج مع أصدقائه وممارسة الرياضة.. إلا أن الوقت الذى يستخدم فيه الحاسب بدأ يزداد مع الوقت وراح يلتهم بقية الأوقات، مما أصاب والد (نادر) ووالدته بالدهشة فقد غرق (نادر) تماما فى عالم الكمبيوتر ونسى كل ما عداه..
فى مرة من المرات اتصل بنادر صديق لكى يطلب منه أن يخرجا معا للتنزه فاعتذر (نادر) متعللا بأنه مشغول لأنه كان لا يريد مفارقة حاسبه.. وفى يوم آخر طلب منه والداه أن يستعد للذهاب معهما لزيارة عمته ولكنه اصطنع المرض وقال لهما أنه يشعر بالتعب ولا يستطيع الخروج، وما كادا يغادران المنزل حتى دب فيه النشاط وواصل اعتكافه أمام شاشة حاسبه.. لم يعد (نادر) يقرأ كتبه التى كان فيما مضى يهوى قراءتها، حتى ألوانه لم يعد يرسم بها، حتى الرياضة لم يعد يمارسها.. ويوما بعد يوم انعزل (نادر) تماما عن العالم.. صار يفارق الكمبيوتر فقط لكى يأكل أو يدخل الحمام أو ينام.. نسى أصدقاءه ونسى هواياته..
شعر والداه بالقلق من هذا التغير السلبى الذى طرأ عليه، فراح والده ينصحه بالاعتدال فى استخدام الحاسب دون جدوى.. ولما زاد الأمر عن حده اتخذ والده القرار الصعب.. بينما كان (نادر) نائما أخذ والده جهاز الحاسب وأخفاه فى حجرته، وعندما استيقظ (نادر) من نومه كان أول ما فعله كعادته هو أن هرع إلى حيث يوجد حاسبه لكى يفتحه.. ولما لم يجده شعر بالهلع فراح يصرخ:
- أين حاسبى؟
سمعه والده فقال له فى هدوء وحزم:
- حاسبك يحتاج إلى الراحة وأنت كذلك يا (نادر).. لقد أسأت استخدامه وجعلته يأخذك من عالمك الحقيقى.. لن أعطيه لك حتى تعود (نادر) الذى أعرفه.
راح (نادر) يبكى ويتوسل إلى والده أن يعيد الحاسب إليه دون جدوى.. مر يومان و (نادر) يشعر بحزن شديد وملل لا يطاق حتى اصطحبه والداه إلى النادى للتنزه.. وهناك بدأ (نادر) يلع ويجرى ويمارس الرياضة التى كاد أن ينساها.. فوجئ بأنه لم يعد نشيطا كما كان بسبب قلة حركته فى الشهور الماضية حتى أن مدربه شعر بالأسف لتدهور لياقته.. إلا أن (نادر) برغم كل شىء قضى وقتا ممتعا
وفى اليوم التالى زار (نادر) أقاربه الذين عاتبوه لأنه لم يعد يزورهم مثل السابق، شعر (نادر) بالخجل واعتذر لهم عن تقصيره.. وفى اليوم الثالث اتصل (نادر) بصديقه (حسن) واتفق معه على الخروج للتنزه.. الكثير من المتع استعاد (نادر) الإحساس بها فى خلال إجازته الإجبارية من الحاسب.. وشعر بالندم الشديد للشهور التى قضاها بعيدا عن عالمه الحقيقى.. ولما عادر (نادر) كما كان ابتسم والده فى حنان وأعاد له جهاز الحاسب قائلا:
- لعلك يا (نادر) قد تعلمت درسا مفيدا من هذه التجربة
الغريب أن (نادر) لم يشعر بالبهجة والحماسة التى كان يتخيلها عندما رأى حاسبه.. وفى الأسابيع التالية لم يعد (نادر) يستخدم الحاسب إلا بغرض الاستفادة فقط ولمدة ساعة أو ساعتين لا أكثر فى اليوم.. فقد أدرك أن عالمه الحقيقى به الكثير من الأشياء الجميلة الثمينة التى لا ينبغى له أن يضيعها من أجل هذا الجماد.
قصة ورسوم: شريف منصور
لا يذكر الأسد (رعد) مكانا له سوى السيرك منذ أن جاء إلى هذه الدنيا وتفتحت عيناه على الحياة.. يجلس الآن فوق مقعده المعتاد الملون فى ساحة السيرك المتسعة مهيبا ضخما وأصوات الجماهير الحماسية من حوله تعلو وتعلو.. ثم يأتيه صوت مروض الوحوش عاليا هادرا وهو يصيح به آمرا إياه أن يقفز من مكان لآخر أو أن يتقلب على ظهره فى وداعة أو أن يقفز خلال حلقة النار الكبيرة.. وكان (رعد) يفعل كل هذا فى مهارة اكتسبها من كثرة المران والتدريب.. اليوم بالذات يشعر بشعور مختلف ربما ينتابه للمرة الأولى.. يشعر بأن كل هذا غير حقيقى.. أصوات الجماهير وتصفيقهم الذى كان يشعره بالفخر والسعادة فيما سبق عندما كان يؤدى فقرته صارت الآن تؤذى مسامعه وتصيبه بالصداع الشديد.. قرقعة السوط المرعبة فى يد المدرب والتى كان جسده يرتجف لسماعها فيما سبق صارت الآن تصيبه بالغضب.. وعندما وضع المروض رأسه بداخل فم (رعد) المتسع وهى أكثر الفقرات إثارة لحماس الجماهير شعر (رعد) وقتها بمهانة بالغة.. لا يدرى لماذا يزوره هذا الشعور اليوم.. لقد اعتاد أن يفعل كل هذه الأشياء منذ نعومة أظفاره ويتلقى فى المقابل تشجيع الجماهير وبضع كرات من اللحم كان ينالها من المدرب فى أثناء الفقرة.. الآن يشعر بمهانة بالغة.. يشعر أنه فى المكان الخطأ.. سأل نفسه: لماذا يشعر بكل هذا الخوف من مروضه وهو قادر على سحقه فى لحظة؟ ولماذا لا يشعر بالسعادة لسماع ضحكات الاطفال وتصفيقهم؟ وما سر هذا الشعور المتزايد بالذل وهو يتمرغ على الأرض فى وداعة ويطيع أوامر مدربه بلا تردد..؟
بعدما انتهت الفقرة نال المروض كل التصفيق وصفير الإعجاب بينما تجاهل الجميع (رعد) وكأنه غير موجود.. وعندما تم اقتياده إلى قفصه الضيق الخانق كريه الرائحة فى نهاية اليوم قبع فيه منزويا يفكر فى حزن فى حاله.. لا يزال يذكر كلمات القرد (كركر) الذى يؤدى أيضا بعض الفقرات فى السيرك.. كثيرا ما دارت بينهما بعض الأحاديث فى المساء لتمضية الوقت.. ولأن (كركر) كان قد تم اصطياده وهو كبير من أفريقيا التى عاش فيها لفترة ليست بالقصيرة فقد كان (رعد) يجد سلواه وتسليته فى سماع ذكريات القرد (كركر) ومغامراته الماضية عندما كان فى الغابة.. العالم المجهول الذى لم يعيشه (رعد) يوما.. موطنه الأصلى الذى لم تتح له الظروف العيش فيه أبدا.. وكم كان يشعر بالدهشة البالغة والحيرة حينما كان يسمع من القرد (كركر) هذه العبارة التى تحمل رنة سخرية خفية:
- فى أفريقيا كان زئير الأسود يثير الرعب ويزلزل الغابة.. الأسد هو ملك الغابة بلا منازع.. تخشاه جميع الحيوانات ولا يجرؤ أى حيوان على إثارة غضبه
وكان (رعد) يتأمل فى كلام القرد ويفكر.. إنه أسد.. لا شك فى هذا.. وبرغم هذا محبوس فى قفص ضيق عاجز عن الحركة والانطلاق.. لم يمارس الصيد فى حياته مع أن غريزته الفطرية كانت تتوق لذلك.. وبرغم أن اللحم الشهى كان يأتيه دون عناء يذكر فى وقت الطعام إلا أنه كان لا يرضيه.. مرت ليلة حزينة على الأسد (رعد) فى تلك الأمسية.. وعندما استغرق فى النوم راح يحلم أحلاما جميلة رأى نفسه فيها يمرح فى سهول السافانا ويطارد الفرائس وتنحنى له جميع الحيوانات احتراما وإجلالا.. وعندما جاء الصباح استيقظ (رعد) والتمرد والغضب يملآن روحه ونفسه.. لابد من الرفض.. لو كان غير قادرا على الهرب والخروج من أسر قفصه الحديدى فعلى الأقل عليه أن يتوقف عن طاعة مدربه ويأخذ موقفا مما يجرى.. عقد العزم على هذا.. وفى تلك الليلة وعندما حانت فقرته المعتادة فوجئ الكل وأولهما المروض بـ (رعد) يرفض إطاعة الأوامر.. وبرغم قرقعات السوط المرعبة وصياح المدرب الهادر وهو يأمره إلا أنه فى ذلك اليوم قبع فوق مقعده الملون ورفض أن يطيع المدرب.. بل أنه كان شديد العصبية.. لم يصدق المدرب ما رآه.. وصاحت الجماهير فى غضب معلنة استياءها مما حدث.. وعندما رأى (رعد) وجه مدربه وهو يشعر بالخزى شعر براحة عجيبة.. وكما هو متوقع.. فى تلك الليلة تم حرمان (رعد) من طعامه اليومى عقابا له.. وبرغم أن معدته كانت تتقلص من الجوع إلا أنه شعر براحة بالغة أنسته تماما مرارة الجوع.. وعندما كرر ما فعله فى الليلة التالية جن جنون المدرب فراح يعامله فى الأيام التالية أسوأ معاملة ممكنة.. تعرض للضرب والحرمان من الطعام وفشلت كل المحاولات فى جعله يطيع الأوامر.. واستبدله المدرب بأسد آخر فى فقرته.. وفى إحدى الأمسيات نظر الأسد فى إنهاك إلى قفص القرد (كركر) القريب منه فوجد القرد مستيقظا.. قال له بابتسامة منهكة:
- لقد قررت أن أعود إلى موطنى الأصلى.. لا مكان لى هنا بعد اليوم.. احك لى أيها القرد عن السافانا
رد القرد فى إشفاق:
- وكيف ستهرب يا (رعد) من هذا القفص الحديدى.. وحتى لو فرضنا أنك استطعت الهرب.. كيف ستتعلم المهارات التى لم لم تتعلمها فى حياتك والتى تحتاجها حتى تستطيع التكيف؟.. أنت لم تمارس الصيد يوما وطعامك كان يأتيك يوميا دون عناء.. أنت لا تملك أسرة وستكون وحيدا منبوذا.. وحتما ستهلك
رد (رعد) فى ثقة:
- لدى خطة.. لن أستطيع الهرب إلا لو خرجت من هذا القفص.. وسأخرج منه.. أما عما تقوله من مهارات فيكفينى أن أكون حرا طليقا سيد نفسى.. الكرامة والعزة والحرية لدى أهم بكثير من الطعام والأسرة.. ولحياة شاقة خارج السيرك فى ظل الحرية لهى أثمن من حياة خانعة مستكينة كتلك التى أحياها.. احك فقط لى عن السافانا الجميلة
وبعد أن استمع (رعد) إلى حكايات القرد (كركر) نام قرير العين وهو يحلم بالحرية.. وفى الصباح بدأ تنفيذ خطته.. استلقى بلا حراك وكأنما قد فقد الحياة.. حاول المدرب والعاملين بالسيرك إيقاظه وحثه على النهوض بلا جدوى حتى أصابهم الفزع.. وعندما سمع المدرب يقول:
- إما أن مريض أو أنه قد مات.. عليناه إخراجه من القفص لفحصه على وجه السرعة.. هلم
وعندما تم نقله خارجا لحين حضور الطبيب كانت الفرصة سانحة له.. تحامل (رعد) على نفسه وهب قائما وزأر زئيرا مرعبا جمد الدم فى عروق الكل.. راح يجرى ويجرى باحثا عن مخرج.. وعندما سمع صوت طلقات الرصاص تدوى خلفه أدرك أنهم ينتوون قتله حتى لا يهرب.. يالهم من حمقى.. إنه لا يريد إيذاء أحد.. هو فقط يبحث عن حريته.. وعندما نجح فى الهرب خارج السيرك كانت رصاصة قد أصابته فى ذراعه ولكنه تحامل على نفسه وراح يتحرك فى حذر فى الشوارع المحيطة محاذرا أن يعثر عليه أحد.. كان الكل يسعى فى إثره إلا أنه كان يعرف هدفه جيدا.. الميناء.. الميناء القريب الذى حكى له عنه القرد (كركر) والذى تبحر منه السفن متجهة إلى موطنه.. الميناء الذى أتى هو والقرد وكل حيوانات السيرك محمولين على واحدة من سفنه.. بعد ليلة شاقة طويلة من التسلل والتخفى والسير المستمرة بلغ (رعد) الميناء وتسلل فى الظلام إلى إحدى السفن واختبأ فى أحد القوارب الخشبية القابعة على سطحها محاذرا أن يصدر صوتا.. وتحققت أغلى أمنياته عندما تحركت السفينة فى صباح اليوم التالى قاصدة موطنه..مرت به أيام صعبة كاد يهلك خلالها من الجوع والبرد والمرض.. إلا أن إصراره الذى كان بلا حدود كان يبقيه حيا.. وعندما بلغت السفينة وطنه غادرها متسللا بنفس الطريقة وراح يركض ويركض حتى بلغ سهول السافانا الرحبة.. وفى تلك اللحظة أشرقت شمس الصباح فأصدر زئيرا مدويا من أعمق أعماقه رددت أصدائه الغابات المحيطة.. وأدرك (رعد) أن أمامه طريقا صعبا عليه أن يخوضه.. سيتعلم كيف يحصل على طعامه وكيف يتكيف مع المخاطر.. كل هذا لم يكن يقلقه.. فيكفيه أن يشعر بهذا المعنى للمرة الاولى فى حياته.. معنى الحرية والكرامة.
قصة ورسوم: شريف منصور
لاحظ والد (كريم) أن ابنه الصغير يشكو دوما من أنه لا يرى الأشياء البعيدة بوضوح.. قال الأب لـ (كريم) فى هدوء وهو يبتسم:
- ما رأيك أن نذهب معا لطبيب العيون لكى يكشف على بصرك؟
شعر (كريم) بالقلق لأنه يخاف الاطباء، إلا أن والده أقنعه بهدوء ولطف أن الموضوع بسيط ولا يستحق القلق..
وبالفعل ذهب (كريم) مع والده إلى طبيب العيون، وفى العيادة بش الطبيب فى وجه (كريم) وداعبه فزال بعض الخوف عن نفسه، وبعد الكشف قال الطبيب لـ (كريم):
- يجب أن ترتدى نظارة يا بطل حتى ترى الأشياء بوضوح أكثر وحتى تحافظ على نظرك
شعر (كريم) بالهلع وقال للطبيب:
- ولكننى لا أحب ارتداء النظارة.. هل أنا مريض؟
رد الطبيب:
- لا يا صغيرى.. أنت لست مريضا.. نحن فقط نريد أن نحافظ على بصرك ، وهذه النظارة ستكون صديقك الجديد الذى يجعلك ترى الأشياء أكثر وضوحا وجمالا
انصرف (كريم) مع والده وهو يشعر بالحزن، قال لوالده:
- ولكن يا أبى النظارة ستجعل أصدقائى يسخرون من شكلى
ابتسم والده وقال:
- لا يوجد ما تخجل منه يا صغيرى.. وصدقنى عندما تتعود على شكل النظارة الجديد ستحبه..
بعد يومين ارتدى (كريم) نظارته الجديدة.. وعندما ذهب إلى المدرسة مرتديا نظارته شعر بالخجل الشديد وسمع تعليقا من أحد الأولاد ضايقه بشأن نظارته، فعاد إلى المنزل حزينا وقرر عدم ارتدائها ثانية.. لاحظ والده فى الأيام التالية أنه لا يرتدى نظارته فنصحه بألا يلق بالا لأى تعليق يسمعه، وبعد إلحاح اضطر (كريم) لارتداء النظارة، ولكنه كان يخلعها بمجرد دخوله الفصل، ويعاود ارتدائها عند مجىء والده لاصطحابه إلى المنزل، وفى الأيام التالية بدأ (كريم) يشعر بالصداع لأنه كان يجلس فى الصف الأخير ولا يستطيع رؤية كل ما يكتب على السبورة، لكن التعليق الذى سمعه من زميله كان يزيده إصرارا على المضى فى عناده.. وبعد فترة بدأ مستوى (كريم) فى الدراسة يتأخر وعندما تسلم والده الشهادة ورأى درجاته الضعيفة شعر بالحزن، فسأل (كريم) فى رفق:
- لماذا تراجع مستواك يا (كريم)؟ لقد اعتدت فيك التفوق والذكاء
شعر (كريم) بالخجل والحزن فاعترف لوالده بأنه كان لا يرتدى النظارة فى الفصل مما جعله لا يستطيع متابعة شرح المعلم..
تنهد والد (كريم) وقال له وهو يربت عليه:
- يا (كريم).. ارتداء النظارة ليس عيبا لأن كل شخص به شىء مختلف.. وحتما يوجد غيرك أطفال يرتدون نظارة.. ولا يجب أن تخجل منها إطلاقا.. العيب الحقيقى هو الكذب وهو التأخر فى الدراسة.. صدقنى لو حاولنا إرضاء كل شخص فلن نستطيع.. وحتى لو لم يحب شكلك أحد الاطفال فسيحبه آخرون.. وأنت بتفوقك وذكائك أفضل بكثير ممن لا يرتدون نظارات ومستواهم الدراسى ضعيف.. عدنى ألا تفعل هذا ثانية وسأثق بكلمتك
عاهده (كريم) على ذلك وبدأ يرتدى نظارته.. ومع الوقت بدأ يحب شكله الجديد ويعتاد عليه، وبدا الكل يعتاد شكله ويألفه.. والأهم أنه عاد إلى تفوقه المعتاد فصار كل زملائه يتمنون أن يصبحون مثله.
قصة ورسوم: شريف منصور
فى تلك البقعة من غابات إفريقيا عاش طفل صغير اسمه (بوجا).. كان (بوجا) طفل شديد الذكاء.. رقيق الشعور.. محبا لجميع المخلوقات التى تعيش معه فى الغابة.. كان يقضى جل أوقاته فى تأمل سحر الطبيعة ومحاولة التواصل مع جميع الحيوانات، ولأنه كان مسالما طيب القلب فقد آنست له الكثير من حيوانات الغابة وأحبته.. وساعده هذا فى اكتساب معرفة عظيمة بسلوك كل حيوان والطريقة المناسبة لمعاملته.. عندما كان يخرج (بوجا) من كوخه فى الظهيرة لجمع الثمار والموز كانت أمه تحذره من الحيوانات الشريرة وتطلب منه عدم الاقتراب من بعض الحيوانات حتى لا تؤذيه فكان (بوجا) يضحك ويطمئن أمه قائلا: "اطمئنى يا أمى.. الحيوانات جميعا كائنات طيبة ووفية ولا تخون أو تؤذى مثل البشر.. ونادرا ما يهاجم حيوان إلا للدفاع عن نفسه أو للحصول على طعامه".
وفى أحد الأيام كان (بوجا) يسير فى الغابة وهو ينظر إلى الطيور المحلقة فى السماء فلم يلاحظ حفرة عميقة أمامه كان قد صنعها بعض الصيادين وغطوها بالأعشاب، هوى (بوجا) فى الحفرة وفقد وعيه من قوة الارتطام.. وعندما أفاق راح يئن بصوت مسموع وقد شعر بأن ساقه أصيبت بضرر بالغ لأنه كان لا يستطيع تحريكها.. سمع صوته نمر جائع فاقترب من الحفرة وراح ينتظر على حافتها أملا فى الظفر بهذا الطفل الصغير.. كان (بوجا) فى موقف لا يحسد عليه، فلا هو يستطيع الحركة.. ولا هو يستطيع الانتظار فى مكانه، ولا يستطيع حتى محاولة الخروج من الحفرة.. وفجأة قفزت غوريلا هائلة الحجم من خلف إحدى الأشجار وراحت تدق صدرها بقبضتيها فى غضب فتوتر النمر ولاذ بالفرار.. راقب (بوجا) ما يحدث بدهشة، والغريب أنه لم يشعر بالخوف من الغوريلا، هبطت الغوريلا إلى الحفرة وحملت (بوجا) على كتفها ثم قفزت فى رشاقة متعلقة بحافة الحفرة وأخرجته منها ثم أرقدته على الأرض فى رفق.. ابتسم (بوجا) فى وداعة وأعطى للغوريلا ثمرة ناضجة كان يحملها فى ثيابه.. تناولت منه الغوريلا الثمرة فقال لها (بوجا):
- شكرا لك أيتها الغوريلا الطيبة.. لن أنسى لك صنيعك أبدا
اختفت الغوريلا بسرعة بين الأشجار ولم يلبث أهالى القرية أن عثروا على (بوجا) فحملوه إلى أمه التى راحت تعتنى به وتضمد جراحه بالأعشاب.. ولم يمض أسبوع حتى تماثل (بوجا) للشفاء.
وفى أحد الأيام تسلل إلى الغابة صياد غريب يحمل بندقية وكان يبدو وكأنه يبحث عن هدف يعرفه جيدا، فى هذا الوقت كان (بوجا) قد ذهب لمكان صديقته الغوريلا ليمنحها بعض الفاكهة اللذيذة ويلعب مع صغارها.. عندما برز فجأة ذلك الصياد الشرير وصوب بندقيته تجاه الغوريلا العملاقة صائحا:
- ياله من صيد ثمين.. سأحصل على كثير من المال عندما تسقطين برصاص بندقيتى المخدر أيتها الغوريلا وأبيعك فى مدينتى
تأهب الصياد لإطلاق الرصاص فقفز (بوجا) أمام الغوريلا ليحميها بجسده وصاح بالصياد:
- ابتعد أيها الصياد الشرير.. لن أسمح لك بإيذاء هذا المخلوق الطيب
رد الصياد فى شراسة:
- ابتعد أيها الطفل الأحمق حتى لا تصيبك رصاصتى.. هذا كائن متوحش سيدفع الكثيرون المال الوفير مقابل مشاهدته فى قفص أنيق فى حديقة الحيوان
كانت الغوريلا تشعر بالقلق لأنها تعلم جيدا من مواقف سابقة مع البشر أن رصاصة واحدة من بندقية الصياد كافية لإسقاط فيل كبير.. إلا أن خوفها على (بوجا) صديقها الجديد جعلها تدق على صدرها بقبضتيها فى غضب وتدفع (بوجا) جانبا ثم تهاجم الصياد.. كانت الرصاصة المخدرة أسرع منها فسقطت أرضا وسكن جسدها، هرع إليها (بوجا) فى جزع ليطمئن عليها فأدرك أنها مخدرة تماما، راح الصياد يربط الغوريلا بالحبال تأهبا لحملها إلى شاحنته القريبة فطرأت بذهن (بوجا) فكرة عبقرية.. قال للصياد: "معك حق أيها الصياد.. ولكن أعتقد أنك لو عدت بغوريلا أخرى ستحصل على ضعف المال الذى تريده.. وحتما سينالنى نصيب من هذا المال.. أليس كذلك؟".. ابتسم الصياد فى جشع وقال لـ (بوجا): "طفل ذكى.. هل تعرف مكان غوريلا أخرى؟"
قال (بوجا): "اتبعنى وأنا أدلك".. تقدم (بوجا) وراح يقود الصياد فى طريق يعرفه جيدا.. ولما بلغ مكان الحفرة التى سقط فيها سابقا والتى كانت مغطاة بالأعشاب الكثيفة دار حولها بطريقة غير ملحوظة ثم نادى على الصياد أن يتقدم، تقدم الصياد غير عالم بالفخ الذى ينتظره فهوى فى الحفرة العميقة.. هرع (بوجا) بسرعة إلى الغوريلا التى بدأت تفيق فمزق حبالها بسكينه الذى كان معه ثم سارع إلى قريته وأخبر الرجال بما حدث.. أسرع الرجال إلى الحفرة وقبضوا على الصياد وأوثقوه بالحبال ثم قادوه إلى حرس القرية لينال عقابه.. بعدها توطدت الصداقة بين الغوريلا و(بوجا) أكثر وصارا لا يفترقان وقد أثبت كل منهما للآخر بأفعاله أن جزاء الوفاء هو الوفاء وأن الصداقة كنز لا يقدر بمال