الثلاثاء، 1 يوليو 2014

صديق السوء

قصة ورسوم: شريف منصور
 

فى ذلك الشارع الهادئ عاش (يوسف) مع والديه.. ولأنه كان الابن الوحيد لهما فقد كان يبحث دوما عن صديق مقرب يأتنس به ويلعب معه.. لم يعرف عن (يوسف) يوما أنه مشاغب أو مزعج لجيرانه.. إلا أن أحوال (يوسف) تبدلت تماما بعد أن تعرف على (عمر).. صبى من نفس عمره يعيش فى البناية المجاورة تماما.. تعرف (يوسف) عليه فى أحد الأيام عندما سقطت كرة (عمر) بداخل شرفة (يوسف).. يومها حمل (يوسف) الكرة ونزل ليعيدها إلى (عمر) ولم تمض لحظات حتى راحا يلعبان سويا.. شعر (يوسف) بالسعادة لأنه تعرف على صديق جديد واتفقا معا على أن يلعبا سويا كل يوم فى المساء.. يوما بعد يوم لاحظ (يوسف) أن (عمر) صبى مشاغب سيئ الطباع.. فكثيرا ما فوجئ به يقوم بتصرفات مؤذية تسبب أضرارا للجميع.. فكر (يوسف) فى الابتعاد عنه وانقطع عن اللعب معه أكثر من مرة إلا أن وحدته كانت تدفعه دفعا لمعاودة النزول واللعب مع (عمر).. ولأن (عمر) صديق سوء فقد نجح يوما بعد يوم فى إفساد أخلاق (يوسف) وعلمه كيف يشترك معه فى تصرفاته المؤذية.. تعلم منه (يوسف) حيلا شريرة جدا مثل إلقاء قطعة كبيرة من الحجارة على إحدى النوافذ الزجاجية الموجودة بالبنايات، وبعد أن كان الزجاج يتحطم محدثا صوتا مزعجا كان (عمر) و(يوسف) يجريان ليختبئا فى مكان بعيد خوفا من العقاب وهما يضحكان مما فعلا.. أيضا تعلم (يوسف) كيف يشوه جدران البنايات بالرسم عليها بأقلام الفحم حتى يصير شكلها شديد البشاعة.. وأيضا اختطاف الألعاب من الأطفال الأصغر سنا.. أيضا مطاردة القطط والكلاب الصغيرة المسكينة وإفزاعها.. تعلم (يوسف) كذلك كيف يختفى فى الوقت المناسب مع (عمر) دون حتى لا يعرف أحد المتسبب فى المشاكل التى تحدث.. لكنه كان بداخله يشعر بنوع من أنواع وخز الضمير بسبب الاضرار التى كان يسببها للجميع، أما أسوأ حركة تعلمها من صديق السوء فهى إفراغ الهواء من إطارات السيارات المصفوفة أمام البنايات.. كانا يفعلان ذلك فى الظلام دون أن يلاحظهما أحد وفى الصباح يضحكان كثيرا وهما يتأملان صاحب السيارة التى فرغت إطاراتها وهو يصرخ من الغيظ..
وفى أحد الأيام تسلل (يوسف) مع (عمر) تجاه سيارة حمراء كانت تخص ساكنا يقطن فى إحدى بنايات الشارع البعيدة.. وبعد أن تأكدا من أن أحدا لا يراهما راحا يفرغان إطارات السيارة.. بعدها سارعا بالابتعاد وجلسا فى إحدى الحدائق المفتوحة يضحكان.. تسلل النعاس إلى جفون (يوسف) فاستغرق فى النوم دون أن يشعر.. وفجأة سمع صوتا أثار فزعه.. هب من مكانه ففوجئ بأن الحديقة خالية تماما إلا منه ومن (عمر).. نظر للأمام فوجد السيارة الحمراء التى أفرغا للتو إطاراتها تقف أمامهما تماما مصدرة صوتا مزمجرا غريبا.. ارتجف الاثنان خاصة حينما لاحظا أن السيارة بلا قائد.. وفجأة نطقت السيارة قائلة فى غضب: "حانت لحظة العقاب أيها الشقيان.. ستنالا الآن عقابكما على جميع الأفعال السيئة التى اقترفتموها".. لم يصدق (يوسف) و(عمر) ما يسمعانه.. وفجأة بدأت السيارة تتحرك فى اتجاههما.. بدأ (يوسف) و(عمر) يجريان والسيارة الحمراء تطاردهما فى إصرار.. راحا يلهثان من العدو ولم يجدا فى طريقهما شخصا واحدا يمكنه مساعدتهما.. وراحت السيارة تلاحقهما فى كل مكان وهى تردد نفس العبارة: "لن تفلتا من العقاب".. وبعد فترة من العدو بلغ الصبيان شارعا مسدودا فالتصقا بالجدار وهما يرتجفان.. هنا راحت السيارة تضحك وهى تنطلق تجاههما بسرعة وراح (يوسف) يصرخ ويصرخمذهلة.. فجأة وجد (يوسف) عمر يهزه فى عنف قائلا:
- ؟استيقظ يا يوسف.. لماذا تصرخ هكذا
فتح (يوسف) عيناه فوجد نفسه فى الحديقة وقد أدرك أنه شاهد للتو كابوسا مريعا بينما كان نائما.. نظر لـ (عمر) فى دهشة بالغة ثم قام وتركه وراح يجرى عائدا إلى منزله والدموع تغرق وجهه.. وفى المنزل لما شاهده والده يبكى سأله عما حدث فحكى له (يوسف) كل ما حدث واعترف بكل ما فعل وقد استشعر ندما رهيبا.. وبرغم اعترافه إلا أن والده غضب منه غضبا شديدا وأعرب عن استيائه البالغ من سلوكه.. وأخبره أنه معاقب لمدة أسبوعين لن يرى فيهما الشارع ولن ينال مصروفه اليومى.. كما قال له: "لو كنت حقا تشعر بالندم فيجب أن تصلح جميع ما فعلته".. سارع والده بالذهاب إلى والدى (عمر) وأخبرهما بكل ما حدث فتعرض (عمر) لعقوبات شديدة من والديه.. بعدها راح والد (يوسف) يعتذر لجميع الجيران فكان البعض يقبل الاعتذار وكان البعض يصر على دفع ثمن الأضرار التى أصابت ممتلكاته فكان الوالد يدفعها بلا تردد.. وبعد فترة طويلة استقرت الأمور إلا أن (يوسف) صار معروفا بأنه ولد مؤذى فأدرك أن عليه تحمل ثمن أخطائه بشجاعة.. وأدرك (يوسف) أيضا أن الوحدة خير من صديق السوء فقطع علاقته ب(عمر) ولكن الله أبدله بصديق طيب اسمه (حسن) كان قد انتقل لتوه للشارع.. ولأن (حسن) كان حسن الخلق والسلوك فقد انعكس هذا على سلوك (يوسف) وتحسنت أخلاقه.. ولكى يكفر (يوسف) عن أخطائه فقد تبنى مع (حسن) فكرة تزيين وتجميل شارعهما فراحا يجمعان الأطفال المتحمسين وتعاونوا جميعا فى تنظيف الشارع وزراعة الأشجار والكثير من الأنشطة المفيدة التى جعلت جميع الاطفال والآباء ينسون إساءات (يوسف) ويحبونه حبا شديدا.. عندها كان (يوسف) يتأمل فى المعنى العظيم الذى تعلمه من تجربته: الصديق مرآة صديقه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق