قصة ورسوم: شريف منصور
عقدت أدوات المدرسة الخاصة بـ (علاء) اجتماعا طارئا فى تلك الأمسية بعد أن خلد (علاء) إلى النوم كعادته فى ساعة متأخرة.. فما كادت الأدوات المتناثرة فوق المكتب تسمع صوت غطيطه المزعج حتى دبت فيها الحياة فجأة..
نهض القلم الرصاص وهو يتأوه وقد شعر بالألم فى كل جزء من أجزاء جسده.. كذلك نهضت الممحاة وقلم الحبر والمسطرة وفرشاة التلوين.. كلهم كانوا يتأوهون من الألم.. تحامل القلم الرصاص العجوز على نفسه وتنحنح قبل أن يقول للكل فى صوت منخفض ولكنه مسموع:
- أيتها الادوات.. إلى متى نسكت على ظلم هذا الطفل المستهتر لنا؟.. كل منا يعانى من سوء استخدامه لأدواته.. أنا مثلا أكثركم معاناة من سوء معاملته.. فهو لا يكف عن عض وقرض طرفى السفلى كلما راح يفكر فى حل مسألة صعبة.. كما أنه يصر دائما على أن يبرى طرفى العلوى بالبراية ويبالغ فى ذلك حتى ينكسر جزءا من الرصاص الموجود بداخلى فيعاود تلك الفعلة مرات ومرات حتى صرت قصيرا بشع الهيئة بعد أن كنت قلما طويلا جديدا له هيبة ووقار
ردت (البراية) فى خجل:
- ليس لى ذنب أيها القلم الحكيم.. فأنا مجرد أداة.. وللأسف لم أسلم منه أنا أيضا.. فهو يترك دائما بقاياك بداخلى بعد البرى ولا يحرص على تنظيفى حتى كدت أصاب بالتسمم
أما الممحاة فقالت:
- أما أنا فقد تآكلت أطرافى من كثرة استخدامه لى واتسخت بالرصاص وأشعر بأن صحتى لم تعد كما يرام
تدخلت فرشاة التلوين فى الحوار قائلة فى وهن:
- وأنا.. هل سمعتم من قبل عن طفل لا ينظف فرشاته بعد التلوين ويترك بها الأصباغ والألوان حتى تجف ؟!! أشعر بأن شعيراتى تيبست وتساقط منها الكثير
راح كل من الأدوات يطرح شكواه حتى أوقفهم القلم الرصاص بإشارة من يده ثم قال فى لهجة خطرة:
- هذا يكفى.. نحن الآن نبحث عن حل.. هل من اقتراحات؟
اقترحت البراية أن يهربوا خارج المنزل.. واقترحت المسطرة أن يختبئوا فى مكان لا يمكن لعلاء العثور عليهم فيه.. اقترحت الفرشاة أن يتوقفوا عن العمل.. فرفض القلم الرصاص جميع الاقتراحات ثم قال فى لهجة العارف بالأمور:
- أنتم لا تفهمون.. إن لكل منا دور مهم جدا فى حياة علاء ولا يجب أن نتوقف عن أداء واجباتنا تحت أى ظرف.. فقد تم صنعنا لكى نعمل ونفيد.. الهروب لن يحل المشكلة.. والإضراب سيصيبنا بالكسل.. لا أتخيل نفسى يوما أتوقف عن كتابة المعلومات المفيدة والخواطر الجميلة التى يخرج منها الكل بما يفيد.. وأنت أيتها الممحاة.. لا يجب أن تتوقفى للحظة عن مسح كل ما هو سيئ وخطأ وومحوه من الوجود.. وأنت أيتها الفرشاة.. لا تتوقفى عن رسم المناظر الجميلة التى تبهر المتفرج وتشعره بالسعادة
ردت الفرشاة بحيرة:
- إذن ما العمل أيها القلم الحكيم؟
طال صمت القلم هذه المرة وبدا عليه التفكير العميق قبل أن يقول أخيرا:
- إن المشكلة أن علاء لا يعلم ما نحن فيه من معاناة.. فهو برغم كل شىء ولد طيب ولكنه مستهتر.. وهو يعتقد كأغلب البشر أن الجماد لا يتألم ولا يتضرر من سوء الاستخدام.. إذن لا مفر من إبلاغه !
ردت الممحاة فى دهشة:
- وكيف سنبلغه؟ هل نتحدث إليه
- بالطبع لا.. هذه حماقة كبيرة فنحن لنا حياتنا الخاصة السرية ولا يجب أن يعلم أحد أننا نتكلم ونفكر مثل الآدميين
- إذن؟!!
- نحن أدوات أليس كذلك.. أنا أستطيع الكتابة.. وأنت أيتها الممحاة تستطيعين تصويب ما أكتب.. وأنت أيتها البراية تستطيعين بريى.. وأنت أيتها الفرشاة تستطيعين رسم أشكال جميلة.. سنسهر اليوم على عمل فى غاية الأهمية.. أولا سأدخل طرفى المكسور فيك أيتها البراية أولا حتى تقومين ببريى ثم نفتح جميعا كراسة علاء وأكتب أنا فيها كل ما نشكو منه بالتفصيل.. وأنت أيتها الفرشاة ستصبغين أطرافك بالألوان وتبدأين فى رسمنا جميعا ونحن نعانى ونتألم فى دفتر الرسم.. وفى الصباح سيطالع (علاء) ما كتبناه ورسمناه وسيشعر بجرم ما يفعل لأنه فى النهاية ولد حساس
رحب الكل بالفكرة.. وبدأ التنفيذ.. راح القلم يكتب شكواهم فى الورقة فى صبر وتابعته الممحاة بالتصحيح.. كما راحت الفرشاة ترسم رسوما حزينة تحرك المشاعر.. وبعد أن قاربت الشمس على الشروق كان التعب قد أنهكهم ولكن المهمة كانت قد أنجزت على أكمل وجه.. وعندما استيقظ (علاء) عادت الأدوات إلى وضعها الجامد الصامت بينما انتهى (علاء) من غسل وجهه وأسنانه وراح يجمع أدواته استعدادا للذهاب إلى مدرسته.. وفوجئ بصفحة كراسته مفتوحة وبها ما كتبه القلم.. قرأ كل كلمة مكتوبة فى دهشة بالغة حتى انتهى.. ثم طالع الرسمة الموجودة بجوار الفرشاة ورأى فيها صور الأدوات وهى تصرخ وتتألم.. شعر بالذهول وبرغم أنه لم يصدق ما تراه عيناه إلا أنه شعر بالخجل الشديد من نفسه وجلس على طرف سريره يفكر ويفكر.. بعدها نهض فى حماس ولملم أدواته فى رفق وراح يعالجها.. نظف الفرشاة من الأصباغ ونظف الممحاة مما بها من سواد.. وأفرغ البراية من البقايا القديمة.. ثم أمسك القلم الرصاص فى رفق شديد وابتسم وهو يقول له:
- وصلتنى الرسالة أيها القلم العزيز.. ومن اليوم سأبدأ معكم صفحة جديدة ولن أسبب لأى منكم ألما مرة أخرى.
وبالفعل صدق (علاء) فى وعده وتعلم كيف يحترم أدواته ويحافظ عليها
عقدت أدوات المدرسة الخاصة بـ (علاء) اجتماعا طارئا فى تلك الأمسية بعد أن خلد (علاء) إلى النوم كعادته فى ساعة متأخرة.. فما كادت الأدوات المتناثرة فوق المكتب تسمع صوت غطيطه المزعج حتى دبت فيها الحياة فجأة..
نهض القلم الرصاص وهو يتأوه وقد شعر بالألم فى كل جزء من أجزاء جسده.. كذلك نهضت الممحاة وقلم الحبر والمسطرة وفرشاة التلوين.. كلهم كانوا يتأوهون من الألم.. تحامل القلم الرصاص العجوز على نفسه وتنحنح قبل أن يقول للكل فى صوت منخفض ولكنه مسموع:
- أيتها الادوات.. إلى متى نسكت على ظلم هذا الطفل المستهتر لنا؟.. كل منا يعانى من سوء استخدامه لأدواته.. أنا مثلا أكثركم معاناة من سوء معاملته.. فهو لا يكف عن عض وقرض طرفى السفلى كلما راح يفكر فى حل مسألة صعبة.. كما أنه يصر دائما على أن يبرى طرفى العلوى بالبراية ويبالغ فى ذلك حتى ينكسر جزءا من الرصاص الموجود بداخلى فيعاود تلك الفعلة مرات ومرات حتى صرت قصيرا بشع الهيئة بعد أن كنت قلما طويلا جديدا له هيبة ووقار
ردت (البراية) فى خجل:
- ليس لى ذنب أيها القلم الحكيم.. فأنا مجرد أداة.. وللأسف لم أسلم منه أنا أيضا.. فهو يترك دائما بقاياك بداخلى بعد البرى ولا يحرص على تنظيفى حتى كدت أصاب بالتسمم
أما الممحاة فقالت:
- أما أنا فقد تآكلت أطرافى من كثرة استخدامه لى واتسخت بالرصاص وأشعر بأن صحتى لم تعد كما يرام
تدخلت فرشاة التلوين فى الحوار قائلة فى وهن:
- وأنا.. هل سمعتم من قبل عن طفل لا ينظف فرشاته بعد التلوين ويترك بها الأصباغ والألوان حتى تجف ؟!! أشعر بأن شعيراتى تيبست وتساقط منها الكثير
راح كل من الأدوات يطرح شكواه حتى أوقفهم القلم الرصاص بإشارة من يده ثم قال فى لهجة خطرة:
- هذا يكفى.. نحن الآن نبحث عن حل.. هل من اقتراحات؟
اقترحت البراية أن يهربوا خارج المنزل.. واقترحت المسطرة أن يختبئوا فى مكان لا يمكن لعلاء العثور عليهم فيه.. اقترحت الفرشاة أن يتوقفوا عن العمل.. فرفض القلم الرصاص جميع الاقتراحات ثم قال فى لهجة العارف بالأمور:
- أنتم لا تفهمون.. إن لكل منا دور مهم جدا فى حياة علاء ولا يجب أن نتوقف عن أداء واجباتنا تحت أى ظرف.. فقد تم صنعنا لكى نعمل ونفيد.. الهروب لن يحل المشكلة.. والإضراب سيصيبنا بالكسل.. لا أتخيل نفسى يوما أتوقف عن كتابة المعلومات المفيدة والخواطر الجميلة التى يخرج منها الكل بما يفيد.. وأنت أيتها الممحاة.. لا يجب أن تتوقفى للحظة عن مسح كل ما هو سيئ وخطأ وومحوه من الوجود.. وأنت أيتها الفرشاة.. لا تتوقفى عن رسم المناظر الجميلة التى تبهر المتفرج وتشعره بالسعادة
ردت الفرشاة بحيرة:
- إذن ما العمل أيها القلم الحكيم؟
طال صمت القلم هذه المرة وبدا عليه التفكير العميق قبل أن يقول أخيرا:
- إن المشكلة أن علاء لا يعلم ما نحن فيه من معاناة.. فهو برغم كل شىء ولد طيب ولكنه مستهتر.. وهو يعتقد كأغلب البشر أن الجماد لا يتألم ولا يتضرر من سوء الاستخدام.. إذن لا مفر من إبلاغه !
ردت الممحاة فى دهشة:
- وكيف سنبلغه؟ هل نتحدث إليه
- بالطبع لا.. هذه حماقة كبيرة فنحن لنا حياتنا الخاصة السرية ولا يجب أن يعلم أحد أننا نتكلم ونفكر مثل الآدميين
- إذن؟!!
- نحن أدوات أليس كذلك.. أنا أستطيع الكتابة.. وأنت أيتها الممحاة تستطيعين تصويب ما أكتب.. وأنت أيتها البراية تستطيعين بريى.. وأنت أيتها الفرشاة تستطيعين رسم أشكال جميلة.. سنسهر اليوم على عمل فى غاية الأهمية.. أولا سأدخل طرفى المكسور فيك أيتها البراية أولا حتى تقومين ببريى ثم نفتح جميعا كراسة علاء وأكتب أنا فيها كل ما نشكو منه بالتفصيل.. وأنت أيتها الفرشاة ستصبغين أطرافك بالألوان وتبدأين فى رسمنا جميعا ونحن نعانى ونتألم فى دفتر الرسم.. وفى الصباح سيطالع (علاء) ما كتبناه ورسمناه وسيشعر بجرم ما يفعل لأنه فى النهاية ولد حساس
رحب الكل بالفكرة.. وبدأ التنفيذ.. راح القلم يكتب شكواهم فى الورقة فى صبر وتابعته الممحاة بالتصحيح.. كما راحت الفرشاة ترسم رسوما حزينة تحرك المشاعر.. وبعد أن قاربت الشمس على الشروق كان التعب قد أنهكهم ولكن المهمة كانت قد أنجزت على أكمل وجه.. وعندما استيقظ (علاء) عادت الأدوات إلى وضعها الجامد الصامت بينما انتهى (علاء) من غسل وجهه وأسنانه وراح يجمع أدواته استعدادا للذهاب إلى مدرسته.. وفوجئ بصفحة كراسته مفتوحة وبها ما كتبه القلم.. قرأ كل كلمة مكتوبة فى دهشة بالغة حتى انتهى.. ثم طالع الرسمة الموجودة بجوار الفرشاة ورأى فيها صور الأدوات وهى تصرخ وتتألم.. شعر بالذهول وبرغم أنه لم يصدق ما تراه عيناه إلا أنه شعر بالخجل الشديد من نفسه وجلس على طرف سريره يفكر ويفكر.. بعدها نهض فى حماس ولملم أدواته فى رفق وراح يعالجها.. نظف الفرشاة من الأصباغ ونظف الممحاة مما بها من سواد.. وأفرغ البراية من البقايا القديمة.. ثم أمسك القلم الرصاص فى رفق شديد وابتسم وهو يقول له:
- وصلتنى الرسالة أيها القلم العزيز.. ومن اليوم سأبدأ معكم صفحة جديدة ولن أسبب لأى منكم ألما مرة أخرى.
وبالفعل صدق (علاء) فى وعده وتعلم كيف يحترم أدواته ويحافظ عليها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق