الثلاثاء، 1 يوليو 2014

شيخ الصيادين

 قصة ورسوم: شريف منصور


 فى إحدى القرى الساحلية البعيدة عاش الناس فى سعادة وأمن ووئام دون أى شىء يعكر عليهم صفو حياتهم.. كان أغلب الرجال يعملون بالصيد، فكان الواحد منهم يخرج فى أول النهار إما يلرمى شباكه فى البحر، أو ليركب قاربه ويتوغل فى المناطق التى يكثر فيها السمك ليبحث عن رزقه ، أو ليمسك سنارته ويقف على الساحل منتظرا نصيبه من السمك.. كان الرزق وفيرا وفى آخر النهار كان كل صياد يعود لكوخه محملا بالخير الكثير من السمك.. عاش فى هذه القرية رجلا عجوزا اسمه (سعيد) عرف عنه أنه لا يهتم بالصيد وعاش حياته كلها فى صنع المركبات الكيميائية والعقاقير والعمل بالعطارة.. ولأن أغلب سكان القرية كانوا أصحاء معافين فلم يكن يقبل على دكانه المتواضع إلا أشخاص معدودين كل فترة بعيدة.. لهذا فقد عاش فى ضيق من الحال
ذات يوم اضطربت المدينة بسبب مجموعة من الحوادث الغريبة.. واحد من الصيادين انقلب به القارب فى وسط البحر لسبب غير معروف وافترس كائن ما ساقه اليمنى.. صياد آخر وجد شباكه ممزقة بفعل أنياب كائن بحرى مجهول.. رجل آخر كان كلبه يعوم فى البحر فاختفى بصورة غامضة.. هذا بالإضافة للقلة الملحوظة فى عدد الاسماك التى راح عددها يتناقص باستمرار.. كانت كل الدلائل تشير لوجود مخلوق بحرى كبير وفد إلى الساحل يسبب الكثير من المشاكل.. لما كشف العم (سعيد) العجوز على ساق الصياد الذى تعرض للهجوم أدرك أن هناك سمكة كبيرة مفترسة تمرح فى المياه بحرية وتهاجم أى جسد متحرك بلا استثناء.. كما لاحظ من شكل التمزقات فى الشباك أنها تمت بفعل أنياب حادة..
فى الايام التالية تكررت الحوادث حتى أن كل أسرة منعت أطفالها الصغار من ولوج البحر والسباحة فيه لأى سبب.. واحد فقط من الصيادين استطاع فى احد الأيام رؤية السمكة العملاقة وهى تقفز من الماء فى ليلة مظلمة.. كانت سمكة ضخمة تعادل حجم رجلين بالغين ولها أسنان حادة.. ولما عاد وأخبر الجميع بما رآه شعر الصيادون بالقلق.. واجتمعوا كلهم لوضع خطة لصيد السمكة.. قال أعظمهم شأنا ويدعى (عرام):
- لن ننتصر على هذه السمكة العملاقة إلا باستخدام القوة.. القوة وحدها.. أريد رجالا أقوياء ليعاونونى فى القيام برحلة بحرية على متن قاربى لصيد هذه السمكة
تدخل العم (سعيد) العجوز الذى كان يسمع الحديث وقال:
- أعتقد أن القوة لن تفيد.. يجب استخدام العقل.. فهذه السمكة ذكية وحذرة وتستطيع المراوغة والإفلات
سخر منه (عرام) وقال:
- اصمت أيها العجوز.. هذا منطق الضعفاء أمثالك.. ماذا فعل لك عقلك سوى أن ضيع شبابك فى تلك العقاقير الفاشلة التى اعتدت على صنعها؟
صمت العجوز وانصرف فى حزن.. فى اليوم التالى خرج (عرام) ومعه أربع صيادين على متن قاربه ومعهم رماح وشباك.. إلا أن السمكة استطاعت بذكاء عجيب مراوغتهم ونجحت فى قلب قاربهم والتهمت أربعة منهم.. وعاد الناجى الوحيد ليقص على الجميع ما حدث.. حاول الصيادون صنع شباك ضخمة قوية ووضعوها فى الماء لكن السمكة كانت تمزق أقوى الشباك.. تكررت حوادث الهجوم وقلت الأسماك فى البحر حتى كف الصيادون عن المحاولة.. كما توقفوا عن استخدام قواربهم وشباكهم.. ومرت القرية بحالة عامة من البؤس وقلة الرزق حتى أن الرجال قرروا الهجرة وترك القرية لتلك السمكة..
وفى يوم ما فوجئ الجميع بعم (سعيد) يطلب قاربا لدخول البحر وقد عزم على القضاء على السمكة.. ضحك الجميع فى سخرية وحاولوا إثنائه عن الفكرة.. فقد كان ضعيف الجسد قليل الحيلة.. لكنه أصر فلم يجد الرجال بدا من تحقيق مطلبه فخسارته لم تكن تقلقهم.. ركب عم (سعيد) القارب ومعه سمكة ميتة بطول ذراعه وتوغل فى البحر.. وعندما بلغ المنطقة التى يكثر تواجد السمكة فيها ربط السمكة التى كانت معه بحبل غليظ ودلاها فى الماء وراح ينتظر فى صبر وهو يدعو الله عز وجل أن ينجح سعيه.. طال انتظاره حتى قاربت الشمس على المغيب.. حتى شعر بهزة قوية فى قاربه وشاهد السمكة العملاقة تبرز من الماء وتفترس السمكة المربوطة بالحبل.. كان يدرك جيدا أن السمكة ستمزق الحبل بكل سهولة وربما تقلب القارب.. إلا أن كل ما كان يهمه هو أن تبتلع السمكة الأصغر حجما.. فقد استخدم عقارا جديدا من صنعه يحوى على مركب شديد السمية وبلا طعم وضعه فى أحشاء هذه السمكة الميتة.. عندما ابتلعت السمكة العملاقة السمكة المسمومة شعرت بهياج عنيف فقلبت القارب بعم (سعيد) وراحت تتقافز فى جنون.. شاهد الكل ما يحدث من بعيد وأيقنوا أنه هالك لا محالة.. إلا أنه لم تمض لحظات حتى توقفت السمكة العملاقة تماما عن الحركة وطفت جثة هامدة.. لم يصدق الصيادون ما رأوه فهللوا وصاحوا وسارعوا بالخروج بقواربهم لانتشال عم (سعيد).. وبعد أن أنقذوه عادوا بالسمكة العملاقة الميتة وألقوها على الشاطئ.. قال أحد الصيادين فى ندم وهو يحتضن عم (سعيد):
- لقد أثبتت لنا أيها الشيخ العجوز أن العقل وحده أقوى من أى سلاح.. وأن هوايتك الأثيرة أنقذت قريتنا كلها من الهلاك.. سنسميك منذ هذه اللحظة (شيخ الصيادين).
هلل الجميع وراحوا يحتضنون عم (سعيد) وأقاموا الاحتفالات بمناسبة القضاء على السمكة.. وعاد السمك الكثير يسبح على الشاطئ فى انتظار شباك الصيادين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق