قصة ورسوم: شريف منصور
لا يذكر الأسد (رعد) مكانا له سوى السيرك منذ أن جاء إلى هذه الدنيا وتفتحت عيناه على الحياة.. يجلس الآن فوق مقعده المعتاد الملون فى ساحة السيرك المتسعة مهيبا ضخما وأصوات الجماهير الحماسية من حوله تعلو وتعلو.. ثم يأتيه صوت مروض الوحوش عاليا هادرا وهو يصيح به آمرا إياه أن يقفز من مكان لآخر أو أن يتقلب على ظهره فى وداعة أو أن يقفز خلال حلقة النار الكبيرة.. وكان (رعد) يفعل كل هذا فى مهارة اكتسبها من كثرة المران والتدريب.. اليوم بالذات يشعر بشعور مختلف ربما ينتابه للمرة الأولى.. يشعر بأن كل هذا غير حقيقى.. أصوات الجماهير وتصفيقهم الذى كان يشعره بالفخر والسعادة فيما سبق عندما كان يؤدى فقرته صارت الآن تؤذى مسامعه وتصيبه بالصداع الشديد.. قرقعة السوط المرعبة فى يد المدرب والتى كان جسده يرتجف لسماعها فيما سبق صارت الآن تصيبه بالغضب.. وعندما وضع المروض رأسه بداخل فم (رعد) المتسع وهى أكثر الفقرات إثارة لحماس الجماهير شعر (رعد) وقتها بمهانة بالغة.. لا يدرى لماذا يزوره هذا الشعور اليوم.. لقد اعتاد أن يفعل كل هذه الأشياء منذ نعومة أظفاره ويتلقى فى المقابل تشجيع الجماهير وبضع كرات من اللحم كان ينالها من المدرب فى أثناء الفقرة.. الآن يشعر بمهانة بالغة.. يشعر أنه فى المكان الخطأ.. سأل نفسه: لماذا يشعر بكل هذا الخوف من مروضه وهو قادر على سحقه فى لحظة؟ ولماذا لا يشعر بالسعادة لسماع ضحكات الاطفال وتصفيقهم؟ وما سر هذا الشعور المتزايد بالذل وهو يتمرغ على الأرض فى وداعة ويطيع أوامر مدربه بلا تردد..؟
بعدما انتهت الفقرة نال المروض كل التصفيق وصفير الإعجاب بينما تجاهل الجميع (رعد) وكأنه غير موجود.. وعندما تم اقتياده إلى قفصه الضيق الخانق كريه الرائحة فى نهاية اليوم قبع فيه منزويا يفكر فى حزن فى حاله.. لا يزال يذكر كلمات القرد (كركر) الذى يؤدى أيضا بعض الفقرات فى السيرك.. كثيرا ما دارت بينهما بعض الأحاديث فى المساء لتمضية الوقت.. ولأن (كركر) كان قد تم اصطياده وهو كبير من أفريقيا التى عاش فيها لفترة ليست بالقصيرة فقد كان (رعد) يجد سلواه وتسليته فى سماع ذكريات القرد (كركر) ومغامراته الماضية عندما كان فى الغابة.. العالم المجهول الذى لم يعيشه (رعد) يوما.. موطنه الأصلى الذى لم تتح له الظروف العيش فيه أبدا.. وكم كان يشعر بالدهشة البالغة والحيرة حينما كان يسمع من القرد (كركر) هذه العبارة التى تحمل رنة سخرية خفية:
- فى أفريقيا كان زئير الأسود يثير الرعب ويزلزل الغابة.. الأسد هو ملك الغابة بلا منازع.. تخشاه جميع الحيوانات ولا يجرؤ أى حيوان على إثارة غضبه
وكان (رعد) يتأمل فى كلام القرد ويفكر.. إنه أسد.. لا شك فى هذا.. وبرغم هذا محبوس فى قفص ضيق عاجز عن الحركة والانطلاق.. لم يمارس الصيد فى حياته مع أن غريزته الفطرية كانت تتوق لذلك.. وبرغم أن اللحم الشهى كان يأتيه دون عناء يذكر فى وقت الطعام إلا أنه كان لا يرضيه.. مرت ليلة حزينة على الأسد (رعد) فى تلك الأمسية.. وعندما استغرق فى النوم راح يحلم أحلاما جميلة رأى نفسه فيها يمرح فى سهول السافانا ويطارد الفرائس وتنحنى له جميع الحيوانات احتراما وإجلالا.. وعندما جاء الصباح استيقظ (رعد) والتمرد والغضب يملآن روحه ونفسه.. لابد من الرفض.. لو كان غير قادرا على الهرب والخروج من أسر قفصه الحديدى فعلى الأقل عليه أن يتوقف عن طاعة مدربه ويأخذ موقفا مما يجرى.. عقد العزم على هذا.. وفى تلك الليلة وعندما حانت فقرته المعتادة فوجئ الكل وأولهما المروض بـ (رعد) يرفض إطاعة الأوامر.. وبرغم قرقعات السوط المرعبة وصياح المدرب الهادر وهو يأمره إلا أنه فى ذلك اليوم قبع فوق مقعده الملون ورفض أن يطيع المدرب.. بل أنه كان شديد العصبية.. لم يصدق المدرب ما رآه.. وصاحت الجماهير فى غضب معلنة استياءها مما حدث.. وعندما رأى (رعد) وجه مدربه وهو يشعر بالخزى شعر براحة عجيبة.. وكما هو متوقع.. فى تلك الليلة تم حرمان (رعد) من طعامه اليومى عقابا له.. وبرغم أن معدته كانت تتقلص من الجوع إلا أنه شعر براحة بالغة أنسته تماما مرارة الجوع.. وعندما كرر ما فعله فى الليلة التالية جن جنون المدرب فراح يعامله فى الأيام التالية أسوأ معاملة ممكنة.. تعرض للضرب والحرمان من الطعام وفشلت كل المحاولات فى جعله يطيع الأوامر.. واستبدله المدرب بأسد آخر فى فقرته.. وفى إحدى الأمسيات نظر الأسد فى إنهاك إلى قفص القرد (كركر) القريب منه فوجد القرد مستيقظا.. قال له بابتسامة منهكة:
- لقد قررت أن أعود إلى موطنى الأصلى.. لا مكان لى هنا بعد اليوم.. احك لى أيها القرد عن السافانا
رد القرد فى إشفاق:
- وكيف ستهرب يا (رعد) من هذا القفص الحديدى.. وحتى لو فرضنا أنك استطعت الهرب.. كيف ستتعلم المهارات التى لم لم تتعلمها فى حياتك والتى تحتاجها حتى تستطيع التكيف؟.. أنت لم تمارس الصيد يوما وطعامك كان يأتيك يوميا دون عناء.. أنت لا تملك أسرة وستكون وحيدا منبوذا.. وحتما ستهلك
رد (رعد) فى ثقة:
- لدى خطة.. لن أستطيع الهرب إلا لو خرجت من هذا القفص.. وسأخرج منه.. أما عما تقوله من مهارات فيكفينى أن أكون حرا طليقا سيد نفسى.. الكرامة والعزة والحرية لدى أهم بكثير من الطعام والأسرة.. ولحياة شاقة خارج السيرك فى ظل الحرية لهى أثمن من حياة خانعة مستكينة كتلك التى أحياها.. احك فقط لى عن السافانا الجميلة
وبعد أن استمع (رعد) إلى حكايات القرد (كركر) نام قرير العين وهو يحلم بالحرية.. وفى الصباح بدأ تنفيذ خطته.. استلقى بلا حراك وكأنما قد فقد الحياة.. حاول المدرب والعاملين بالسيرك إيقاظه وحثه على النهوض بلا جدوى حتى أصابهم الفزع.. وعندما سمع المدرب يقول:
- إما أن مريض أو أنه قد مات.. عليناه إخراجه من القفص لفحصه على وجه السرعة.. هلم
وعندما تم نقله خارجا لحين حضور الطبيب كانت الفرصة سانحة له.. تحامل (رعد) على نفسه وهب قائما وزأر زئيرا مرعبا جمد الدم فى عروق الكل.. راح يجرى ويجرى باحثا عن مخرج.. وعندما سمع صوت طلقات الرصاص تدوى خلفه أدرك أنهم ينتوون قتله حتى لا يهرب.. يالهم من حمقى.. إنه لا يريد إيذاء أحد.. هو فقط يبحث عن حريته.. وعندما نجح فى الهرب خارج السيرك كانت رصاصة قد أصابته فى ذراعه ولكنه تحامل على نفسه وراح يتحرك فى حذر فى الشوارع المحيطة محاذرا أن يعثر عليه أحد.. كان الكل يسعى فى إثره إلا أنه كان يعرف هدفه جيدا.. الميناء.. الميناء القريب الذى حكى له عنه القرد (كركر) والذى تبحر منه السفن متجهة إلى موطنه.. الميناء الذى أتى هو والقرد وكل حيوانات السيرك محمولين على واحدة من سفنه.. بعد ليلة شاقة طويلة من التسلل والتخفى والسير المستمرة بلغ (رعد) الميناء وتسلل فى الظلام إلى إحدى السفن واختبأ فى أحد القوارب الخشبية القابعة على سطحها محاذرا أن يصدر صوتا.. وتحققت أغلى أمنياته عندما تحركت السفينة فى صباح اليوم التالى قاصدة موطنه..مرت به أيام صعبة كاد يهلك خلالها من الجوع والبرد والمرض.. إلا أن إصراره الذى كان بلا حدود كان يبقيه حيا.. وعندما بلغت السفينة وطنه غادرها متسللا بنفس الطريقة وراح يركض ويركض حتى بلغ سهول السافانا الرحبة.. وفى تلك اللحظة أشرقت شمس الصباح فأصدر زئيرا مدويا من أعمق أعماقه رددت أصدائه الغابات المحيطة.. وأدرك (رعد) أن أمامه طريقا صعبا عليه أن يخوضه.. سيتعلم كيف يحصل على طعامه وكيف يتكيف مع المخاطر.. كل هذا لم يكن يقلقه.. فيكفيه أن يشعر بهذا المعنى للمرة الاولى فى حياته.. معنى الحرية والكرامة.
لا يذكر الأسد (رعد) مكانا له سوى السيرك منذ أن جاء إلى هذه الدنيا وتفتحت عيناه على الحياة.. يجلس الآن فوق مقعده المعتاد الملون فى ساحة السيرك المتسعة مهيبا ضخما وأصوات الجماهير الحماسية من حوله تعلو وتعلو.. ثم يأتيه صوت مروض الوحوش عاليا هادرا وهو يصيح به آمرا إياه أن يقفز من مكان لآخر أو أن يتقلب على ظهره فى وداعة أو أن يقفز خلال حلقة النار الكبيرة.. وكان (رعد) يفعل كل هذا فى مهارة اكتسبها من كثرة المران والتدريب.. اليوم بالذات يشعر بشعور مختلف ربما ينتابه للمرة الأولى.. يشعر بأن كل هذا غير حقيقى.. أصوات الجماهير وتصفيقهم الذى كان يشعره بالفخر والسعادة فيما سبق عندما كان يؤدى فقرته صارت الآن تؤذى مسامعه وتصيبه بالصداع الشديد.. قرقعة السوط المرعبة فى يد المدرب والتى كان جسده يرتجف لسماعها فيما سبق صارت الآن تصيبه بالغضب.. وعندما وضع المروض رأسه بداخل فم (رعد) المتسع وهى أكثر الفقرات إثارة لحماس الجماهير شعر (رعد) وقتها بمهانة بالغة.. لا يدرى لماذا يزوره هذا الشعور اليوم.. لقد اعتاد أن يفعل كل هذه الأشياء منذ نعومة أظفاره ويتلقى فى المقابل تشجيع الجماهير وبضع كرات من اللحم كان ينالها من المدرب فى أثناء الفقرة.. الآن يشعر بمهانة بالغة.. يشعر أنه فى المكان الخطأ.. سأل نفسه: لماذا يشعر بكل هذا الخوف من مروضه وهو قادر على سحقه فى لحظة؟ ولماذا لا يشعر بالسعادة لسماع ضحكات الاطفال وتصفيقهم؟ وما سر هذا الشعور المتزايد بالذل وهو يتمرغ على الأرض فى وداعة ويطيع أوامر مدربه بلا تردد..؟
بعدما انتهت الفقرة نال المروض كل التصفيق وصفير الإعجاب بينما تجاهل الجميع (رعد) وكأنه غير موجود.. وعندما تم اقتياده إلى قفصه الضيق الخانق كريه الرائحة فى نهاية اليوم قبع فيه منزويا يفكر فى حزن فى حاله.. لا يزال يذكر كلمات القرد (كركر) الذى يؤدى أيضا بعض الفقرات فى السيرك.. كثيرا ما دارت بينهما بعض الأحاديث فى المساء لتمضية الوقت.. ولأن (كركر) كان قد تم اصطياده وهو كبير من أفريقيا التى عاش فيها لفترة ليست بالقصيرة فقد كان (رعد) يجد سلواه وتسليته فى سماع ذكريات القرد (كركر) ومغامراته الماضية عندما كان فى الغابة.. العالم المجهول الذى لم يعيشه (رعد) يوما.. موطنه الأصلى الذى لم تتح له الظروف العيش فيه أبدا.. وكم كان يشعر بالدهشة البالغة والحيرة حينما كان يسمع من القرد (كركر) هذه العبارة التى تحمل رنة سخرية خفية:
- فى أفريقيا كان زئير الأسود يثير الرعب ويزلزل الغابة.. الأسد هو ملك الغابة بلا منازع.. تخشاه جميع الحيوانات ولا يجرؤ أى حيوان على إثارة غضبه
وكان (رعد) يتأمل فى كلام القرد ويفكر.. إنه أسد.. لا شك فى هذا.. وبرغم هذا محبوس فى قفص ضيق عاجز عن الحركة والانطلاق.. لم يمارس الصيد فى حياته مع أن غريزته الفطرية كانت تتوق لذلك.. وبرغم أن اللحم الشهى كان يأتيه دون عناء يذكر فى وقت الطعام إلا أنه كان لا يرضيه.. مرت ليلة حزينة على الأسد (رعد) فى تلك الأمسية.. وعندما استغرق فى النوم راح يحلم أحلاما جميلة رأى نفسه فيها يمرح فى سهول السافانا ويطارد الفرائس وتنحنى له جميع الحيوانات احتراما وإجلالا.. وعندما جاء الصباح استيقظ (رعد) والتمرد والغضب يملآن روحه ونفسه.. لابد من الرفض.. لو كان غير قادرا على الهرب والخروج من أسر قفصه الحديدى فعلى الأقل عليه أن يتوقف عن طاعة مدربه ويأخذ موقفا مما يجرى.. عقد العزم على هذا.. وفى تلك الليلة وعندما حانت فقرته المعتادة فوجئ الكل وأولهما المروض بـ (رعد) يرفض إطاعة الأوامر.. وبرغم قرقعات السوط المرعبة وصياح المدرب الهادر وهو يأمره إلا أنه فى ذلك اليوم قبع فوق مقعده الملون ورفض أن يطيع المدرب.. بل أنه كان شديد العصبية.. لم يصدق المدرب ما رآه.. وصاحت الجماهير فى غضب معلنة استياءها مما حدث.. وعندما رأى (رعد) وجه مدربه وهو يشعر بالخزى شعر براحة عجيبة.. وكما هو متوقع.. فى تلك الليلة تم حرمان (رعد) من طعامه اليومى عقابا له.. وبرغم أن معدته كانت تتقلص من الجوع إلا أنه شعر براحة بالغة أنسته تماما مرارة الجوع.. وعندما كرر ما فعله فى الليلة التالية جن جنون المدرب فراح يعامله فى الأيام التالية أسوأ معاملة ممكنة.. تعرض للضرب والحرمان من الطعام وفشلت كل المحاولات فى جعله يطيع الأوامر.. واستبدله المدرب بأسد آخر فى فقرته.. وفى إحدى الأمسيات نظر الأسد فى إنهاك إلى قفص القرد (كركر) القريب منه فوجد القرد مستيقظا.. قال له بابتسامة منهكة:
- لقد قررت أن أعود إلى موطنى الأصلى.. لا مكان لى هنا بعد اليوم.. احك لى أيها القرد عن السافانا
رد القرد فى إشفاق:
- وكيف ستهرب يا (رعد) من هذا القفص الحديدى.. وحتى لو فرضنا أنك استطعت الهرب.. كيف ستتعلم المهارات التى لم لم تتعلمها فى حياتك والتى تحتاجها حتى تستطيع التكيف؟.. أنت لم تمارس الصيد يوما وطعامك كان يأتيك يوميا دون عناء.. أنت لا تملك أسرة وستكون وحيدا منبوذا.. وحتما ستهلك
رد (رعد) فى ثقة:
- لدى خطة.. لن أستطيع الهرب إلا لو خرجت من هذا القفص.. وسأخرج منه.. أما عما تقوله من مهارات فيكفينى أن أكون حرا طليقا سيد نفسى.. الكرامة والعزة والحرية لدى أهم بكثير من الطعام والأسرة.. ولحياة شاقة خارج السيرك فى ظل الحرية لهى أثمن من حياة خانعة مستكينة كتلك التى أحياها.. احك فقط لى عن السافانا الجميلة
وبعد أن استمع (رعد) إلى حكايات القرد (كركر) نام قرير العين وهو يحلم بالحرية.. وفى الصباح بدأ تنفيذ خطته.. استلقى بلا حراك وكأنما قد فقد الحياة.. حاول المدرب والعاملين بالسيرك إيقاظه وحثه على النهوض بلا جدوى حتى أصابهم الفزع.. وعندما سمع المدرب يقول:
- إما أن مريض أو أنه قد مات.. عليناه إخراجه من القفص لفحصه على وجه السرعة.. هلم
وعندما تم نقله خارجا لحين حضور الطبيب كانت الفرصة سانحة له.. تحامل (رعد) على نفسه وهب قائما وزأر زئيرا مرعبا جمد الدم فى عروق الكل.. راح يجرى ويجرى باحثا عن مخرج.. وعندما سمع صوت طلقات الرصاص تدوى خلفه أدرك أنهم ينتوون قتله حتى لا يهرب.. يالهم من حمقى.. إنه لا يريد إيذاء أحد.. هو فقط يبحث عن حريته.. وعندما نجح فى الهرب خارج السيرك كانت رصاصة قد أصابته فى ذراعه ولكنه تحامل على نفسه وراح يتحرك فى حذر فى الشوارع المحيطة محاذرا أن يعثر عليه أحد.. كان الكل يسعى فى إثره إلا أنه كان يعرف هدفه جيدا.. الميناء.. الميناء القريب الذى حكى له عنه القرد (كركر) والذى تبحر منه السفن متجهة إلى موطنه.. الميناء الذى أتى هو والقرد وكل حيوانات السيرك محمولين على واحدة من سفنه.. بعد ليلة شاقة طويلة من التسلل والتخفى والسير المستمرة بلغ (رعد) الميناء وتسلل فى الظلام إلى إحدى السفن واختبأ فى أحد القوارب الخشبية القابعة على سطحها محاذرا أن يصدر صوتا.. وتحققت أغلى أمنياته عندما تحركت السفينة فى صباح اليوم التالى قاصدة موطنه..مرت به أيام صعبة كاد يهلك خلالها من الجوع والبرد والمرض.. إلا أن إصراره الذى كان بلا حدود كان يبقيه حيا.. وعندما بلغت السفينة وطنه غادرها متسللا بنفس الطريقة وراح يركض ويركض حتى بلغ سهول السافانا الرحبة.. وفى تلك اللحظة أشرقت شمس الصباح فأصدر زئيرا مدويا من أعمق أعماقه رددت أصدائه الغابات المحيطة.. وأدرك (رعد) أن أمامه طريقا صعبا عليه أن يخوضه.. سيتعلم كيف يحصل على طعامه وكيف يتكيف مع المخاطر.. كل هذا لم يكن يقلقه.. فيكفيه أن يشعر بهذا المعنى للمرة الاولى فى حياته.. معنى الحرية والكرامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق