قصة ورسوم: شريف منصور
(وليد) صبى شديد الذكاء.. متفوق فى دراسته.. ولكن مشكلته الحقيقية وأسوأ عيوبه أنه حريص فى إنفاق المال أكثر من اللازم، ويفكر ألف مرة قبل أن ينفق مصروفه لشراء أى شىء يحتاجه.. كان (وليد) يأخذ النقود التى يعطيها له والده كل يوم كمصروف عند ذهابه إلى المدرسة ويحاول أن يوفر منها قدر استطاعته.. فعندما تتوق نفسه للحلوى او لشراء عصير كان يفكر ويتردد ثم يقول فى نفسه: "ربما أستطيع توفير تلك النقود لو طلبت من صديقى (هشام) الذى يحب الحلوى أن يدعونى إلى كيس حلوى من نقوده.. هذا هو ثمن الصداقة!".. وكان حرصه الشديد يجعله لا يتحرج ويطلب ذلك من صديقه متعللا بأنه ليس لديه نقود.. وكان كلما نجح فى جعل أحد أصدقائه يدعوه إلى طعام أو شراب أو لعبة يشعر بالابتهاج ويعود إلى منزله فى ذلك اليوم ومعه النقود التى نجح فى توفيرها فيضعها فى حصالته ويقول: "سوف أوفر الكثير من النقود وأشترى فى النهاية شيئا ثمينا".. إلا أن الأيام تمضى والحصالة تمتلئ ولا يشترى (وليد) أى شىء بل يقول: "خسارة أن تضيع هذه النقود.. سأواصل التوفير وأرى كم سيصبح معى من مال".. صار مع الوقت يحب جمع النقود حبا شديدا فلاحظ والداه هذا السلوك واستاءا منه للغاية.. وكثيرا ما نصحه والده قائلا:
- يا (وليد).. إن المال هبة من الله تعالى ووسيلة لإسعادنا وإسعاد من حولنا.. والمال يأتى ويذهب وقيمته الحقيقية فى أن ننفقه على أنفسنا وننفقه فى أوجه الخير التى ترضى الله وليس فى أن نظل نجمعه ونجعل هذا هدفا وغاية.. والحب الزائد للمال سيدفعك لفعل الكثير من الاشياء السيئة من أجله وسيثير استياء زملائك وأصدقائك.
كان (وليد) يسمع هذا الكلام وينساه بعد دقائق..
ولأن وليد يحب القراءة حبا شديدا فقد كان يلجأ لحيلة فريدة من أجل عمل مكتبة خاصة به بالمنزل دون أن يدفع المال فى شراء الكتب.. كان كلما وجد مجلة أو كتابا يعجبه مع أحد أصدقائه يطلب استعارته ثم يقرأه فى منزله فى نهم.. بعدها يضعه فى مكتبته ويتعمد ألا يعيده لصاحبه.. وكان صاحب الكتاب عندما يطالب (وليد) برد الكتاب الذى استعاره يسوف (وليد) ويقول: "سأعيده إن شاء الله فأنا لم أنته من قراءته بعد".. وتمر الأيام دون أن يعيد الكتاب فيحدث أمر من اثنين.. إما أن يمل صاحب الكتاب من المطالبة بكتابه وييأس وينسى الامر وهذا ما كان يحدث فى الغالب.. وإما أن يصر صاحب الكتاب على استعادة كتابه فيضطر (وليد) لاختلاق حكاية وهمية عن ضياع الكتاب ويبدأ فى الاعتذار لصاحبه.. ظل (وليد) يمارس هذه العادة القبيحة حتى تكونت لديه مكتبة كبيرة تضم عشرات الكتب التى استعارها ولم يرجعها لأصحابها.. وراحت الكتب تزيد وراحت نقوده كذلك تزيد.. وفى مساء أحد الأيام ألقى (وليد) نظرة مبتهجة على مكتبته ثم دخل فراشه واستغرق فى النوم.. وبعد ساعة استيقظ على صوت همهمة صادرة من ناحية المكتبة.. كانت خافتة فى البداية ثم راحت تتزايد وتعلو حتى تحولت إلى ضجيج مزعج.. هب فزعا من فراشه وأضاء النور.. فوجئ بالكتب تتحرك من مكانها فى المكتبة وسمع أصوات متداخلة أشبه بالصياح صادرة من الكتب تقول: "أعدنى إلى صاحبى أيها اللص".. "أنت صبى لا تعرف الأمانة".. "نحن لا نريد البقاء فى مكتبتك لأننا لا نحبك"
راح ضجيج الكتب يعلو ويعلو حتى أن (وليد) سد أذنيه فى ألم حتى لا يسمع صوتها المؤلم.. ثم بدأت الكتب تطير من المكتبة وتتقافز فى جنون فوق رأسه.. حاول الهرب إلا أن باب الغرفة كان مغلقا فبدأ فى الصراخ دون أن يسمعه أحد.. كما لاحظ أن النقود بدأت تقفز خارج حصالته وتصيح قائلة: "لقد مللنا من حبسك لنا وسنغادر هذا المنزل الآن ونذهب إلى من يستحق".. وبدأت النقود تطير وتخرج من نافذة غرفة (وليد) فراح يصرخ فى هلع: "نقودى".. إلا أن الكتب كانت تتهاوى فوق رأسه بلا توقف فشعر بأنه عاجز عن فعل أى شىء..
فجأة صرخ (وليد) وهو يستيقظ من نومه وألقى نظرة على غرفته وهو يشهق.. وجد الكتب فى مكانها المعتاد.. كما وجد حصالة نقوده فى مكانها.. دخل عليه والده الغرفة عندما سمع صياحه فأخبره (وليد) بالكابوس الذى رآه ثم اعترف له لأول مرة بمصدر هذه الكتب وهو يبكى.. شعر والده بالأسى فقال له فى غضب:
- لقد خذلتنى يا (وليد).. يجب أن تصحح خطأك فورا قبل فوات الاوان.. أعد كل كتاب لصاحبه واعتذر له.. أما الأموال التى معك فسآخذها منك كلها عقابا لك على سلوكك السيىء.. أمامك أسبوعا كاملا لتعيد كل كتاب لصاحبه وتعتذر له..
وبالفعل أخذ والد (وليد) الحصالة وغادر الغرفة فراح (وليد) يبكى ويتذكر الكابوس الذى رآه.. وفى الأيام التالية راح (وليد) يعيد كل كتاب إلى صاحبه وكم كان الموقف محرجا ومؤلما للنفس.. وما كاد ينتهى الأسبوع حتى خلت مكتبة (وليد) تماما من الكتب فشعر والده بالارتياح وقال له:
- الأهم من هذا أن تتعلم القيمة الحقيقة للمال والغرض من وجوده.. لن أعيد لك حصالتك لأنك لا تستحق هذه النقود.. وسأسألك كل يوم عما فعلته بمصروفك ويجب أن تنفقه بالطريقة الصحيحة وتخبرنى فيم أنفقته.. النوفير ليس عيبا.. ولكن هناك فرق بين التوفير والحرص والبخل.. وكل شىء يزيد عن حده ينقلب إلى الضد.. لو أردت التوفير فوفر من النقود الفائضة التى لا تحتاجها، ويجب أن تعرف لماذا تدخرها وماذا ستشترى بها.. لا أن تجمعها فقط بلا هدف حتى يتحول حبك للمال إلى مرض
شعر (وليد) بالخجل الشديد وأخذ عهدا أن يتغير.. وفى الأيام التالية راح كل يوم ينفق مصروفه مثل باقى الأطفال فى شراء ما يحتاجه من طعام وألعاب وعصير، والغريب أن ما كان يفيض منه من المال كان يعود فيعطيه لوالده قائلا:
- لا أريد هذه النقود فهى زائدة عن حاجتى..
ابتسم والده وشعر بالتحسن الكبير الذى طرأ على ولده فقرر مكافأته.. وعاد (وليد) ذات يوم من مدرسته ودخل غرفته ففوجئ بمكتبته وبها كتب ومجلات جميلة ملونة.. لم تكن المكتبة ممتلئة مثلما كانت فى الماضى ولكنه سر للغاية بمنظر الكتب التى يحبها.. دخل عليه والده وقال:
- هذه الكتب ابتعتها لك يا (وليد) بنقودك التى كانت بالحصالة.. لأنى أعرف حبك للقراءة.. وعندما تشترى من مصروفك كتابا جديدا ضمه إلى المكتبة وسرعان ما ستمتلىء بالكتب الكثيرة المفيدة..
ابتسم (وليد) فى سعادة واحتضن والده وهو يقول:
- لقد تعلمت منك يا أبى درسا لن أنساه طيلة حياتى.. وأعدك أن أكون منذ هذه اللحظة (وليد) آخر غير الذى تعرفه
(وليد) صبى شديد الذكاء.. متفوق فى دراسته.. ولكن مشكلته الحقيقية وأسوأ عيوبه أنه حريص فى إنفاق المال أكثر من اللازم، ويفكر ألف مرة قبل أن ينفق مصروفه لشراء أى شىء يحتاجه.. كان (وليد) يأخذ النقود التى يعطيها له والده كل يوم كمصروف عند ذهابه إلى المدرسة ويحاول أن يوفر منها قدر استطاعته.. فعندما تتوق نفسه للحلوى او لشراء عصير كان يفكر ويتردد ثم يقول فى نفسه: "ربما أستطيع توفير تلك النقود لو طلبت من صديقى (هشام) الذى يحب الحلوى أن يدعونى إلى كيس حلوى من نقوده.. هذا هو ثمن الصداقة!".. وكان حرصه الشديد يجعله لا يتحرج ويطلب ذلك من صديقه متعللا بأنه ليس لديه نقود.. وكان كلما نجح فى جعل أحد أصدقائه يدعوه إلى طعام أو شراب أو لعبة يشعر بالابتهاج ويعود إلى منزله فى ذلك اليوم ومعه النقود التى نجح فى توفيرها فيضعها فى حصالته ويقول: "سوف أوفر الكثير من النقود وأشترى فى النهاية شيئا ثمينا".. إلا أن الأيام تمضى والحصالة تمتلئ ولا يشترى (وليد) أى شىء بل يقول: "خسارة أن تضيع هذه النقود.. سأواصل التوفير وأرى كم سيصبح معى من مال".. صار مع الوقت يحب جمع النقود حبا شديدا فلاحظ والداه هذا السلوك واستاءا منه للغاية.. وكثيرا ما نصحه والده قائلا:
- يا (وليد).. إن المال هبة من الله تعالى ووسيلة لإسعادنا وإسعاد من حولنا.. والمال يأتى ويذهب وقيمته الحقيقية فى أن ننفقه على أنفسنا وننفقه فى أوجه الخير التى ترضى الله وليس فى أن نظل نجمعه ونجعل هذا هدفا وغاية.. والحب الزائد للمال سيدفعك لفعل الكثير من الاشياء السيئة من أجله وسيثير استياء زملائك وأصدقائك.
كان (وليد) يسمع هذا الكلام وينساه بعد دقائق..
ولأن وليد يحب القراءة حبا شديدا فقد كان يلجأ لحيلة فريدة من أجل عمل مكتبة خاصة به بالمنزل دون أن يدفع المال فى شراء الكتب.. كان كلما وجد مجلة أو كتابا يعجبه مع أحد أصدقائه يطلب استعارته ثم يقرأه فى منزله فى نهم.. بعدها يضعه فى مكتبته ويتعمد ألا يعيده لصاحبه.. وكان صاحب الكتاب عندما يطالب (وليد) برد الكتاب الذى استعاره يسوف (وليد) ويقول: "سأعيده إن شاء الله فأنا لم أنته من قراءته بعد".. وتمر الأيام دون أن يعيد الكتاب فيحدث أمر من اثنين.. إما أن يمل صاحب الكتاب من المطالبة بكتابه وييأس وينسى الامر وهذا ما كان يحدث فى الغالب.. وإما أن يصر صاحب الكتاب على استعادة كتابه فيضطر (وليد) لاختلاق حكاية وهمية عن ضياع الكتاب ويبدأ فى الاعتذار لصاحبه.. ظل (وليد) يمارس هذه العادة القبيحة حتى تكونت لديه مكتبة كبيرة تضم عشرات الكتب التى استعارها ولم يرجعها لأصحابها.. وراحت الكتب تزيد وراحت نقوده كذلك تزيد.. وفى مساء أحد الأيام ألقى (وليد) نظرة مبتهجة على مكتبته ثم دخل فراشه واستغرق فى النوم.. وبعد ساعة استيقظ على صوت همهمة صادرة من ناحية المكتبة.. كانت خافتة فى البداية ثم راحت تتزايد وتعلو حتى تحولت إلى ضجيج مزعج.. هب فزعا من فراشه وأضاء النور.. فوجئ بالكتب تتحرك من مكانها فى المكتبة وسمع أصوات متداخلة أشبه بالصياح صادرة من الكتب تقول: "أعدنى إلى صاحبى أيها اللص".. "أنت صبى لا تعرف الأمانة".. "نحن لا نريد البقاء فى مكتبتك لأننا لا نحبك"
راح ضجيج الكتب يعلو ويعلو حتى أن (وليد) سد أذنيه فى ألم حتى لا يسمع صوتها المؤلم.. ثم بدأت الكتب تطير من المكتبة وتتقافز فى جنون فوق رأسه.. حاول الهرب إلا أن باب الغرفة كان مغلقا فبدأ فى الصراخ دون أن يسمعه أحد.. كما لاحظ أن النقود بدأت تقفز خارج حصالته وتصيح قائلة: "لقد مللنا من حبسك لنا وسنغادر هذا المنزل الآن ونذهب إلى من يستحق".. وبدأت النقود تطير وتخرج من نافذة غرفة (وليد) فراح يصرخ فى هلع: "نقودى".. إلا أن الكتب كانت تتهاوى فوق رأسه بلا توقف فشعر بأنه عاجز عن فعل أى شىء..
فجأة صرخ (وليد) وهو يستيقظ من نومه وألقى نظرة على غرفته وهو يشهق.. وجد الكتب فى مكانها المعتاد.. كما وجد حصالة نقوده فى مكانها.. دخل عليه والده الغرفة عندما سمع صياحه فأخبره (وليد) بالكابوس الذى رآه ثم اعترف له لأول مرة بمصدر هذه الكتب وهو يبكى.. شعر والده بالأسى فقال له فى غضب:
- لقد خذلتنى يا (وليد).. يجب أن تصحح خطأك فورا قبل فوات الاوان.. أعد كل كتاب لصاحبه واعتذر له.. أما الأموال التى معك فسآخذها منك كلها عقابا لك على سلوكك السيىء.. أمامك أسبوعا كاملا لتعيد كل كتاب لصاحبه وتعتذر له..
وبالفعل أخذ والد (وليد) الحصالة وغادر الغرفة فراح (وليد) يبكى ويتذكر الكابوس الذى رآه.. وفى الأيام التالية راح (وليد) يعيد كل كتاب إلى صاحبه وكم كان الموقف محرجا ومؤلما للنفس.. وما كاد ينتهى الأسبوع حتى خلت مكتبة (وليد) تماما من الكتب فشعر والده بالارتياح وقال له:
- الأهم من هذا أن تتعلم القيمة الحقيقة للمال والغرض من وجوده.. لن أعيد لك حصالتك لأنك لا تستحق هذه النقود.. وسأسألك كل يوم عما فعلته بمصروفك ويجب أن تنفقه بالطريقة الصحيحة وتخبرنى فيم أنفقته.. النوفير ليس عيبا.. ولكن هناك فرق بين التوفير والحرص والبخل.. وكل شىء يزيد عن حده ينقلب إلى الضد.. لو أردت التوفير فوفر من النقود الفائضة التى لا تحتاجها، ويجب أن تعرف لماذا تدخرها وماذا ستشترى بها.. لا أن تجمعها فقط بلا هدف حتى يتحول حبك للمال إلى مرض
شعر (وليد) بالخجل الشديد وأخذ عهدا أن يتغير.. وفى الأيام التالية راح كل يوم ينفق مصروفه مثل باقى الأطفال فى شراء ما يحتاجه من طعام وألعاب وعصير، والغريب أن ما كان يفيض منه من المال كان يعود فيعطيه لوالده قائلا:
- لا أريد هذه النقود فهى زائدة عن حاجتى..
ابتسم والده وشعر بالتحسن الكبير الذى طرأ على ولده فقرر مكافأته.. وعاد (وليد) ذات يوم من مدرسته ودخل غرفته ففوجئ بمكتبته وبها كتب ومجلات جميلة ملونة.. لم تكن المكتبة ممتلئة مثلما كانت فى الماضى ولكنه سر للغاية بمنظر الكتب التى يحبها.. دخل عليه والده وقال:
- هذه الكتب ابتعتها لك يا (وليد) بنقودك التى كانت بالحصالة.. لأنى أعرف حبك للقراءة.. وعندما تشترى من مصروفك كتابا جديدا ضمه إلى المكتبة وسرعان ما ستمتلىء بالكتب الكثيرة المفيدة..
ابتسم (وليد) فى سعادة واحتضن والده وهو يقول:
- لقد تعلمت منك يا أبى درسا لن أنساه طيلة حياتى.. وأعدك أن أكون منذ هذه اللحظة (وليد) آخر غير الذى تعرفه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق