الثلاثاء، 1 يوليو 2014

(نادر) والكمبيوتر

قصة ورسوم: شريف منصور
 

اليوم يكاد (نادر) يطير من الفرحة ، فوالده سيبتاع له جهاز (كمبيوتر) محمول مكافأة له لأن (نادر) نجح بامتياز فى اختبارات نهاية العام وصار الأول على مدرسته.. عندما عاد الأب من عمله وسمع (نادر) صوته هرع إلى أبيه صائحا:
- أبى أبى.. أين هديتى؟
كان والده يحمل علبة كارتونية كبيرة، ضحك الوالد قائلا لـ (نادر):
- مهلا يا (نادر).. هذه هى هديتك فأنت تستحقها عن جدارة
شكر (نادر) والده فى حرارة.. وبعد أن تناول غداءه راح هو ووالده يفتحان العلبة التى كان بداخلها جهاز كمبيوتر أنيق جذاب، وضعه الوالد فوق مكتب (نادر) وقال له:
- أتمنى أن تستفيد يا (نادر) من هذا الجهاز القيم وتستخدمه فيما صنع من أجله.. الكمبيوتر جهاز مفيد يمكنك من خلاله كتابة المذكرات والبحث عن المعلومات من خلال الإنترنت ومشاهدة الفيديوهات المفيدة وممارسة الألعاب.
ولأن (نادر) كان فى إجازته الصيفية فقد كان لديه الكثير من أوقات الفراغ لتعلم استخدام الكمبيوتر والاستفادة منه.. فى الأسابيع الأولى كان يستخدم الحاسب لبعض الوقت ويمارس هواياته فى الوقت الآخر كالقراءة والخروج مع أصدقائه وممارسة الرياضة.. إلا أن الوقت الذى يستخدم فيه الحاسب بدأ يزداد مع الوقت وراح يلتهم بقية الأوقات، مما أصاب والد (نادر) ووالدته بالدهشة فقد غرق (نادر) تماما فى عالم الكمبيوتر ونسى كل ما عداه..
فى مرة من المرات اتصل بنادر صديق لكى يطلب منه أن يخرجا معا للتنزه فاعتذر (نادر) متعللا بأنه مشغول لأنه كان لا يريد مفارقة حاسبه.. وفى يوم آخر طلب منه والداه أن يستعد للذهاب معهما لزيارة عمته ولكنه اصطنع المرض وقال لهما أنه يشعر بالتعب ولا يستطيع الخروج، وما كادا يغادران المنزل حتى دب فيه النشاط وواصل اعتكافه أمام شاشة حاسبه.. لم يعد (نادر) يقرأ كتبه التى كان فيما مضى يهوى قراءتها، حتى ألوانه لم يعد يرسم بها، حتى الرياضة لم يعد يمارسها.. ويوما بعد يوم انعزل (نادر) تماما عن العالم.. صار يفارق الكمبيوتر فقط لكى يأكل أو يدخل الحمام أو ينام.. نسى أصدقاءه ونسى هواياته..
شعر والداه بالقلق من هذا التغير السلبى الذى طرأ عليه، فراح والده ينصحه بالاعتدال فى استخدام الحاسب دون جدوى.. ولما زاد الأمر عن حده اتخذ والده القرار الصعب.. بينما كان (نادر) نائما أخذ والده جهاز الحاسب وأخفاه فى حجرته، وعندما استيقظ (نادر) من نومه كان أول ما فعله كعادته هو أن هرع إلى حيث يوجد حاسبه لكى يفتحه.. ولما لم يجده شعر بالهلع فراح يصرخ:
- أين حاسبى؟
سمعه والده فقال له فى هدوء وحزم:
- حاسبك يحتاج إلى الراحة وأنت كذلك يا (نادر).. لقد أسأت استخدامه وجعلته يأخذك من عالمك الحقيقى.. لن أعطيه لك حتى تعود (نادر) الذى أعرفه.
راح (نادر) يبكى ويتوسل إلى والده أن يعيد الحاسب إليه دون جدوى.. مر يومان و (نادر) يشعر بحزن شديد وملل لا يطاق حتى اصطحبه والداه إلى النادى للتنزه.. وهناك بدأ (نادر) يلع ويجرى ويمارس الرياضة التى كاد أن ينساها.. فوجئ بأنه لم يعد نشيطا كما كان بسبب قلة حركته فى الشهور الماضية حتى أن مدربه شعر بالأسف لتدهور لياقته.. إلا أن (نادر) برغم كل شىء قضى وقتا ممتعا
وفى اليوم التالى زار (نادر) أقاربه الذين عاتبوه لأنه لم يعد يزورهم مثل السابق، شعر (نادر) بالخجل واعتذر لهم عن تقصيره.. وفى اليوم الثالث اتصل (نادر) بصديقه (حسن) واتفق معه على الخروج للتنزه.. الكثير من المتع استعاد (نادر) الإحساس بها فى خلال إجازته الإجبارية من الحاسب.. وشعر بالندم الشديد للشهور التى قضاها بعيدا عن عالمه الحقيقى.. ولما عادر (نادر) كما كان ابتسم والده فى حنان وأعاد له جهاز الحاسب قائلا:
- لعلك يا (نادر) قد تعلمت درسا مفيدا من هذه التجربة
الغريب أن (نادر) لم يشعر بالبهجة والحماسة التى كان يتخيلها عندما رأى حاسبه.. وفى الأسابيع التالية لم يعد (نادر) يستخدم الحاسب إلا بغرض الاستفادة فقط ولمدة ساعة أو ساعتين لا أكثر فى اليوم.. فقد أدرك أن عالمه الحقيقى به الكثير من الأشياء الجميلة الثمينة التى لا ينبغى له أن يضيعها من أجل هذا الجماد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق