الثلاثاء، 1 يوليو 2014

الحصان الأسير

قصة ورسوم: شريف منصور
 


فى إحدى المدن الواقعة فى إحدى المناطق الجبلية عاش الناس حياة بائسة فقيرة بلا موارد رزق كافية.. وفى أحد الأيام وبطريق الصدفة اكتشف بعض رجال المدينة كهفا قديما فى الجبل كان مغلقا بصخرة عملاقة أخفته عن الانظار، وبدافع الفضول تعاون الرجال من أجل إزاحة هذه الصخرة.. وبعد أن تمت إزاحتها فوجئوا فى منتصف الكهف بكومة هائلة من القطع الذهبية الثمينة التى تشبه العملات والتى كانت تتلألأ فى ضوء مشاعلهم، وعندما اقترب واحد منهم فى جشع من كومة الذهب فوجئ الرجال بحصان عملاق غريب الشكل والهيئة  يسرع ناحيتهم من جانب الكهف مصدرا صوتا مزمجرا أبعد ما يكون عن صهيل الخيول، أصيب الرجال بالهلع والذهول خاصة أن هذا الحصان العجيب كان له جناحان على جانبى جسده.. سارع الرجال بالفرار من الكهف ولكنهم توقفوا عندما لاحظوا أن الحصان كان مقيدا من كاحله بسلسلة حديدية طويلة مثبتة فى أحد جدران الكهف فلم يستطع الحصان بلوغهم بعدما ابتعدوا عن الذهب.. انصرف الرجال فى ذلك اليوم متعجبين مما رأوا وانتشر خبر الحصان العجيب الذى لا يعرف أحد من أين جاء بسرعة البرق فى المدينة.. ولأن الكنز الثمين أسال لعاب الكثير من الرجال الفقراء فقد بدأ الكثير منهم يحاولون الحصول على ذلك الذهب.. لكن جميع الطرق فشلت.. كان الحصان لا يتردد فى مهاجمة كل من تسول له نفسه الاقتراب من كومة الذهب حتى أنه أصاب الكثير منهم بإصابات بالغة.. فشلت محاولة ترويضه، وفشلت محاولة صرف انتباهه عن الذهب.. وبعد الكثير من المحاولات الفاشلة يئس الجميع من فكرة الحصول على الكنز فعاودوا إغلاق الكهف بالصخرة خوفا من حدوث المزيد من الحوادث..
فى هذه المدينة عاش (جاسم) وهو أحد رجال القرية فى ضيق حال وعرف بين الجميع بفقره وبؤسه الشديد برغم ذكائه الواضح.. ولما تراكمت الديون عليه ولم يجد سبيلا لتسديد دينه برزت فى عقله حكاية الكنز الموجود بالكهف.. فراح يتخيل الخير الذى سيناله لو حصل على ذلك الذهب.. دعا الله فى ليلته أن يفرج كربه ثم نام.. ولأنه كان قبل نومه يفكر كثيرا فى حكاية الحصان والذهب فقد رأى رؤيا عجيبة فى منامه.. رأى نفسه بداخل الكهف والحصان العجيب يرفرف جناحيه بسلام ويخاطبه قائلا بوداعة: "حررنى يا (جاسم) ولك الذهب.. هذا الذهب الذى تراه هو حبات دموعى.. فأنا مخلوق يبكى ذهبا وتتجمد حبات الدموع عندما تسقط تحت أقدامى.. إننى أبكى لأننى مقيد محروم من الحرية.. ولا أهاجم الدخلاء إلا لأننى أشعر بعصبية شديدة من سنين الوحدة الطويلة".. سأله (جاسم) فى ذهول: "من أين جئت أيها الحصان؟ ومن الذى قيدك؟ وكيف أساعدك؟".. رد الحصان: "لا يهم من أين جئت ولا من قيدنى.. المهم أن تحررنى.. وداعا"
استيقظ (جاسم) من نومه متعجبا ولا يزال صوت الحصان يتردد فى أذنه، راح يفكر فيما رأى ثم اتخذ قرارا حاسما
استعان (جاسم) بالله ثم مر على أخويه (حسن) و(طائع) ثم روى لهما حلمه وأخبرهما بعزمه على دخول الكهف.. اتهماه بالجنون وحاولا إثناءه عن الفكرة إلا أنه كان مصرا وطلب منهما العون، وبعد جهد جهيد وافق أخواه واتجه ثلاثتهما إلى الكهف فى تلك الليلة وبيدهما المشاعل ، أما (جاسم) فقد حمل معه معولا حديديا.. بعد عناء شديد أزاحوا الصخرة ثم دخلوا الكهف فى حذر.. نهض الحصان وقد بدت عليه علامات العدوانية فبدأ أخوا (جاسم) فى تنفيذ الجزء الاول من الخطة التى أخبرهما بها.. اقتربا من الذهب بحذر بينما بقى (جاسم) بعيدا.. وبلا تردد اتجه نحوهما الحصان فى غضب ساحبا خلفه السلسة المعدنية التى تربطه بجدار الكهف.. توكل (جاسم) على الله ثم اتجه بمعوله إلى منتصف السلسلة المعدنية وراح يهوى عليها، بينما حرص الأخوان على الاستمرار فى لفت انتباه الحصان.. وبعد محاولات كثيرة تهشمت السلسلة فارتعد (حسن) و(طائع) وراحا يدعوان الله أن تكون فكرة أخوهما صائبة وألا يهاجمهما الحصان.. تحرك الحصان بحرية لأول مرة منذ قرون لا يعلمها إلا الله.. وكان أول ما فعله هو أن اتجه خارجا من الكهف ثم فرد جناحيه العظيمين وحلق بهما عاليا فى السماء حتى اختفى عن الانظار.. سارع (جاسم) وإخوته بحمل الذهب ثم أغلقا الكهف وعادوا إلى المدينة.. ولما علم رجال القرية بما حدث هللوا فى فرح وابتهاج.. ولأن (جاسم) كان شخصيا خيرا يخاف الله فقد سارع بعد أن سدد ديونه بتوزيع الذهب على الجميع لأنه حق للمدينة كلها وحمد الله على نعمته.. وبعد فترة قصيرة عم الرخاء المدينة ولم يعد بها فقراء ولا بائسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق