قصة ورسوم: شريف منصور
وفد غراب طيب القلب إلى أرض خضراء جديدة ملآى بالأشجار والزهور الجميلة وأنواع الطيور التى تباينت أشكالها وأحجامها وألوانها.. وقرر الاستقرار بالمكان لما به من رزق وفير.. وبرغم أن الغراب كان طيب القلب لا يؤذى مخلوقا ولا يفتعل المشكلات إلا أن لونه الأسود القاتم وقبح صوته حالا دون تقبل الطيور الأخرى له.. ، وبرغم أنه كان دوما ما يحاول التودد لجميع الطيور: العصافير والحمام والهداهد والبط إلا أن محاولاته المتذللة كانت تبوء بالفشل.. وكثيرا ما كان يبكى وحيدا فوق الشجرة التى يسكنها وهو يتسائل فى مرارة: ما ذنبى فى أن لونى أسود أو أن صوتى قبيح؟ هل اختار أحد شكله أو صوته أو هيئته؟ ولماذا يرفض الكل صداقتى برغم أننى كثيرا ما أتودد إليهم؟ هل قدرى أن أعيش وحيدا فى هذا المكان الجديد؟
وفى أحد الأيام اتخذ الغراب قرارا خطيرا.. عليه أن يغير هيئته حتى ينجح فى مصادقة أحد الطيور.. راقب جميع الطيور واختار الطاووس الذى كان يتمتع بأجمل هيئة وأحلى حلة من بين كل الطيور.. وتأمل فى حزن الطيور الكثيرة وهى تلتف حول الطاووس وتتبادل معه المزاح والحديث.. قال فى نفسه: "لو كانت لى هيئة كهيئة هذا الطاووس لنجحت فى اقتحام قلوب جميع الطيور".. انتظر الغراب أياما عديدة فى صبر.. كان يلاحظ أن الطاووس الملون الجذاب يفقد ريشة من ريشه الجميل كل بضعة أيام عندما تسقط لتنمو ريشة أخرى مكانها.. استمر الغراب يلتقط كل ريشة تسقط من الطاووس بلا ملل حتى تجمعت لديه مجموعة من الريش الجميل.. ولما صار لديه عدد كاف من الريش غطى به جسده الأسود فصار شكله مختلفا تماما..
فى اليوم التالى خرج من شجرته فى هيئته الجديدة فانتاب الفضول بعض الطيور.. اقتربت منه حمامة بيضاء جميلة ولما بدأ فى التحدث إليها ارتاعت لقبح صوته فطارت مبتعدة.. حاول الغراب ثانية التودد إلى عصفور صغير وتعمد أن يغير قليلا من نبرة صوته إلا أن العصفور شعر بعدم الراحة فمل من الحديث معه وطار مبتعدا.. قال الغراب فى نفسه: لعل الحيلة تنجح مع طائر آخر".. تكررالأمر مع أغلب الطيور حتى مل الغراب من المحاولة.. وبينما كان يسير باحثا عن طعام سمع صوت أنين قرب البحيرة فاقترب من مصدر الصوت بدافع الفضول.. فوجئ ببطة كبيرة صفراء اللون ترقد على الأرض وهى تتألم.. ولما دنا أكثر صاحت به: أنقذنى أيها الطائر الجميل.. إننى مريضة ولا أقوى على الحركة.. ساعدنى وأحضر لى طعاما حتى أتناوله أنا وأطفالى".. سر الغراب كثيرا لما وصفته بالطائر الجميل وشعر بأن حيلته أتت ثمارها أخيرا.. راح بدافع الشهامة يجمع الحبوب والأسماك للبطة الصفراء وأدى مهمته على الوجه الأكمل.. بعدها عاد للبطة وساعدها فى تناول الطعام ثم أطعم بطاتها الصغار وراح يرعاهم بصبر وحنان.. لم يكن الغراب قد لاحظ أن ريشه الملون الذى كان يكسو به جسده قد تساقط معظمه فى أثناء حركته طيلة النهار وعادت له هيئته القديمة.. شكرته البطة كثيرا وراحت تتبادل معه الحديث.. آنس الغراب للبطة وراح يبادلها الحديث ويلهو مع صغارها حتى جاء المساء.. وقبل أن يرحل عائدا إلى بيته طلبت منه البطة أن يقود أطفالها للبحيرة لكى يسبحوا قليلا قبل النوم.. رحب الغراب بذلك واصطحب الصغار للبحيرة.. وهناك انعكست صورته على صفحة ماء البحيرة فرأى هيئته الحقيقية واكتشف أن حلته المزيفة قد سقطت.. صرخ فى جزع وحاول الاختباء أو الهروب إلا أن صوت البطة الصفراء التى استعادت بعضا من قوتها أتاه من خلفه قائلا:
- إلى أين أنت ذاهب أيها الغراب؟
لما سمع الغراب عبارتها طأطأ برأسه للأرض فى خجل وأدرك أن حيلته انكشفت.. سالت من عينه دمعة ثم قال للبطة:
- آسف لأننى خدعتك.. أعلم الآن أنك تحتقرينى ولا ترحبين بمعرفتى بعد الآن..
ابتسمت البطة فى حنان ثم قالت:
- أنت لم تخدعنى.. لقد عرفتك من أول لحظة تكلمت فيها وسمعت صوتك وأدركت أنك ترتدى قناعا لا يناسبك.. وربما شاءت الأقدار أن أمرض وتتخلى عنى جميع الطيور حتى أتعرف عليك.. أعترف أننى فى البداية لم أتحمس لطلب مساعدتك ولكننى كنت مضطرة لأننى كدت أهلك أنا وصغارى من الجوع.. والآن بعد أن رأيت بعينى جوهرك النفيس ومروءتك وحنانك وطيبة قلبك زالت كل خواطرى القديمة.. مم تخجل أيها الغراب؟ ارفع رأسك واعتز بنفسك.. لقد صنعت معروفا لم يفعله معى أقرب الأصدقاء.. لا ذنب ولا حيلة لك فى هيئتك التى تظلمك.. إن أجمل الطيور وأبهاها لا يملك طيبة قلبك وتعاونك.. لقد ساعدتنى فى الوقت الذى رفضت فيه كل الطيور الجميلة والمغردة وأولها الطاووس مساعدتى.. إنى أراك الآن فى أحسن صورة لأن الجمال الخارجى يذوى ويذبل وبمجرد التعود عليه يفقده بريقه.. أما جمال الروح والجوهر فهو الذى يبقى ويجذب القلوب.. ربما لم تحاول الطيور تقبلك لأنهم كانوا يحكمون بالظاهر فقط.. وربما تكون أنت السبب لأنك لا تقيم نفسك - مع كل ما لديك من صفات جميلة - إلا على أساس الهيئة.. وساعدت بخجلك من نفسك - دون أن تدرى - فى إضعاف عزيمتك وإظهارنفسك بصورة ذليلة ضعيفة عاجزة أمام بقية الطيور ففقدت مصداقيتك..
أضاءت الكلمات عقل الغراب كشعاع الأمل فرفع رأسه فى اعتزاز وقال للبطة:
- أشكرك أيتها البطة الطيبة.. إن كلماتك بالفعل لا تحوى إلا الحقيقة
وعندما عاد الغراب لشجرته قرر أن يكون نفسه ولا شىء آخر.. وفى الأيام التالية تغيرت مشيته المنكسرة وصار واثق الخطا.. فلم يعد يحاول التذلل.. بل راحت أفعاله الطيبة تتحدث عنه فاكتسب الكثير من الاحترام والأصدقاء مع الوقت.. وبعدما كان يسمع السخرية منه فيما مضى فيشعر بالضآلة والتخاذل صار يشفق على من يسخر منه لأن الله لم يعط له قدرة على التقييم الصحيح.. ولما كثر عدد أصدقائه وصارت الطيور الجميلة تحسده على شعبيته تذكر كلمات صديقته البطة وابتسم
وفد غراب طيب القلب إلى أرض خضراء جديدة ملآى بالأشجار والزهور الجميلة وأنواع الطيور التى تباينت أشكالها وأحجامها وألوانها.. وقرر الاستقرار بالمكان لما به من رزق وفير.. وبرغم أن الغراب كان طيب القلب لا يؤذى مخلوقا ولا يفتعل المشكلات إلا أن لونه الأسود القاتم وقبح صوته حالا دون تقبل الطيور الأخرى له.. ، وبرغم أنه كان دوما ما يحاول التودد لجميع الطيور: العصافير والحمام والهداهد والبط إلا أن محاولاته المتذللة كانت تبوء بالفشل.. وكثيرا ما كان يبكى وحيدا فوق الشجرة التى يسكنها وهو يتسائل فى مرارة: ما ذنبى فى أن لونى أسود أو أن صوتى قبيح؟ هل اختار أحد شكله أو صوته أو هيئته؟ ولماذا يرفض الكل صداقتى برغم أننى كثيرا ما أتودد إليهم؟ هل قدرى أن أعيش وحيدا فى هذا المكان الجديد؟
وفى أحد الأيام اتخذ الغراب قرارا خطيرا.. عليه أن يغير هيئته حتى ينجح فى مصادقة أحد الطيور.. راقب جميع الطيور واختار الطاووس الذى كان يتمتع بأجمل هيئة وأحلى حلة من بين كل الطيور.. وتأمل فى حزن الطيور الكثيرة وهى تلتف حول الطاووس وتتبادل معه المزاح والحديث.. قال فى نفسه: "لو كانت لى هيئة كهيئة هذا الطاووس لنجحت فى اقتحام قلوب جميع الطيور".. انتظر الغراب أياما عديدة فى صبر.. كان يلاحظ أن الطاووس الملون الجذاب يفقد ريشة من ريشه الجميل كل بضعة أيام عندما تسقط لتنمو ريشة أخرى مكانها.. استمر الغراب يلتقط كل ريشة تسقط من الطاووس بلا ملل حتى تجمعت لديه مجموعة من الريش الجميل.. ولما صار لديه عدد كاف من الريش غطى به جسده الأسود فصار شكله مختلفا تماما..
فى اليوم التالى خرج من شجرته فى هيئته الجديدة فانتاب الفضول بعض الطيور.. اقتربت منه حمامة بيضاء جميلة ولما بدأ فى التحدث إليها ارتاعت لقبح صوته فطارت مبتعدة.. حاول الغراب ثانية التودد إلى عصفور صغير وتعمد أن يغير قليلا من نبرة صوته إلا أن العصفور شعر بعدم الراحة فمل من الحديث معه وطار مبتعدا.. قال الغراب فى نفسه: لعل الحيلة تنجح مع طائر آخر".. تكررالأمر مع أغلب الطيور حتى مل الغراب من المحاولة.. وبينما كان يسير باحثا عن طعام سمع صوت أنين قرب البحيرة فاقترب من مصدر الصوت بدافع الفضول.. فوجئ ببطة كبيرة صفراء اللون ترقد على الأرض وهى تتألم.. ولما دنا أكثر صاحت به: أنقذنى أيها الطائر الجميل.. إننى مريضة ولا أقوى على الحركة.. ساعدنى وأحضر لى طعاما حتى أتناوله أنا وأطفالى".. سر الغراب كثيرا لما وصفته بالطائر الجميل وشعر بأن حيلته أتت ثمارها أخيرا.. راح بدافع الشهامة يجمع الحبوب والأسماك للبطة الصفراء وأدى مهمته على الوجه الأكمل.. بعدها عاد للبطة وساعدها فى تناول الطعام ثم أطعم بطاتها الصغار وراح يرعاهم بصبر وحنان.. لم يكن الغراب قد لاحظ أن ريشه الملون الذى كان يكسو به جسده قد تساقط معظمه فى أثناء حركته طيلة النهار وعادت له هيئته القديمة.. شكرته البطة كثيرا وراحت تتبادل معه الحديث.. آنس الغراب للبطة وراح يبادلها الحديث ويلهو مع صغارها حتى جاء المساء.. وقبل أن يرحل عائدا إلى بيته طلبت منه البطة أن يقود أطفالها للبحيرة لكى يسبحوا قليلا قبل النوم.. رحب الغراب بذلك واصطحب الصغار للبحيرة.. وهناك انعكست صورته على صفحة ماء البحيرة فرأى هيئته الحقيقية واكتشف أن حلته المزيفة قد سقطت.. صرخ فى جزع وحاول الاختباء أو الهروب إلا أن صوت البطة الصفراء التى استعادت بعضا من قوتها أتاه من خلفه قائلا:
- إلى أين أنت ذاهب أيها الغراب؟
لما سمع الغراب عبارتها طأطأ برأسه للأرض فى خجل وأدرك أن حيلته انكشفت.. سالت من عينه دمعة ثم قال للبطة:
- آسف لأننى خدعتك.. أعلم الآن أنك تحتقرينى ولا ترحبين بمعرفتى بعد الآن..
ابتسمت البطة فى حنان ثم قالت:
- أنت لم تخدعنى.. لقد عرفتك من أول لحظة تكلمت فيها وسمعت صوتك وأدركت أنك ترتدى قناعا لا يناسبك.. وربما شاءت الأقدار أن أمرض وتتخلى عنى جميع الطيور حتى أتعرف عليك.. أعترف أننى فى البداية لم أتحمس لطلب مساعدتك ولكننى كنت مضطرة لأننى كدت أهلك أنا وصغارى من الجوع.. والآن بعد أن رأيت بعينى جوهرك النفيس ومروءتك وحنانك وطيبة قلبك زالت كل خواطرى القديمة.. مم تخجل أيها الغراب؟ ارفع رأسك واعتز بنفسك.. لقد صنعت معروفا لم يفعله معى أقرب الأصدقاء.. لا ذنب ولا حيلة لك فى هيئتك التى تظلمك.. إن أجمل الطيور وأبهاها لا يملك طيبة قلبك وتعاونك.. لقد ساعدتنى فى الوقت الذى رفضت فيه كل الطيور الجميلة والمغردة وأولها الطاووس مساعدتى.. إنى أراك الآن فى أحسن صورة لأن الجمال الخارجى يذوى ويذبل وبمجرد التعود عليه يفقده بريقه.. أما جمال الروح والجوهر فهو الذى يبقى ويجذب القلوب.. ربما لم تحاول الطيور تقبلك لأنهم كانوا يحكمون بالظاهر فقط.. وربما تكون أنت السبب لأنك لا تقيم نفسك - مع كل ما لديك من صفات جميلة - إلا على أساس الهيئة.. وساعدت بخجلك من نفسك - دون أن تدرى - فى إضعاف عزيمتك وإظهارنفسك بصورة ذليلة ضعيفة عاجزة أمام بقية الطيور ففقدت مصداقيتك..
أضاءت الكلمات عقل الغراب كشعاع الأمل فرفع رأسه فى اعتزاز وقال للبطة:
- أشكرك أيتها البطة الطيبة.. إن كلماتك بالفعل لا تحوى إلا الحقيقة
وعندما عاد الغراب لشجرته قرر أن يكون نفسه ولا شىء آخر.. وفى الأيام التالية تغيرت مشيته المنكسرة وصار واثق الخطا.. فلم يعد يحاول التذلل.. بل راحت أفعاله الطيبة تتحدث عنه فاكتسب الكثير من الاحترام والأصدقاء مع الوقت.. وبعدما كان يسمع السخرية منه فيما مضى فيشعر بالضآلة والتخاذل صار يشفق على من يسخر منه لأن الله لم يعط له قدرة على التقييم الصحيح.. ولما كثر عدد أصدقائه وصارت الطيور الجميلة تحسده على شعبيته تذكر كلمات صديقته البطة وابتسم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق