قصة ورسوم: شريف منصور
عندما أفاق (نديم) من إغمائته وجد نفسه فى جزيرة كبيرة تحيط بها مياه المحيط من جميع الجهات.. آخر ما يذكره أنه كان يصارع الأمواج بعد أن غرقت السفينة التى كانت تحمله متجهة إلى وطنه بعد شهور طويلة من الترحال، يذكر الإعصار العنيف الذى هاجم السفينة والأمواج المتلاطمة وصراخ الركاب.. ولولا أنه قفز فى الماء وتعلق بجزء من صارى السفينة المحطم لكان الآن فى عداد الهالكين.. يبدو أنه الامواج ألقت به إلى جزيرة نائية كانت بالقرب من السفينة الغارقة وظل فاقدا لوعيه لفترة فوق الشاطئ.. كانت الشمس حارقة والعطش يتملكه فنهض فى إرهاق وراح يتأمل ما حوله فى حيرة ممزوجة بالخوف.. هل هناك ناجين سواه؟ وهل هذه الجزيرة مأهولة بالسكان؟ وهل سيجد بها ما يسد جوعه ويروى عطشه؟.. بدأ (نديم) يتحرك لاستكشاف الجزيرة المجهولة.. وبعد ساعة كاملة من التجوال أيقن أنه وحيد فوق هذه الجزيرة المنعزلة ومهدد بالهلاك.. ولكن لحسن الحظ تعثر فى أثناء سيره بثمرة جوز هند كانت ملقاة على أرض الجزيرة، ألقى نظرة إلى أعلى فوجد مئات من ثمر جوز الهند فوق النخيل فشعر بنوع من الاطمئنان.. على الأقل لن يهلك من العطش.. أمسك بثمرة جوز الهند ثم استعان بصخرة صلبة ثقيلة من الصخور المتناثرة على الشاطئ لكسرها.. راح يشرب فى لهفة الماء الموجود بداخلها ثم راح يأكل الثمرة اللذيذة.. شعر أنه أفضل حالا فجلس على الشاطئ وراح يفكر: إنه الآن وحيد تماما فى هذه الجزيرة.. وحتى لو استطاع التكيف فإن الوحدة حتما ستقتله مع مرور الوقت.. كما أن الجزيرة نائية وبعيدة تماما عن مسار السفن ولا يرى فى الأفق أى احتمال للنجاة.. توضأ (نديم) ثم صلى ركعتين ودعا الله عز وجل أن ينجيه من هذا المأزق.. شعر بعدها باطمئنان وسكينة وراح يتذكر أطفاله الصغار وزوجته الطيبة الذين كان فى طريقه إليهم.. فى اليوم الاول لم يفعل (نديم) سوى استكشاف الجزيرة والاستفادة مما تحويه من عناصر لإبقائه حيا لأطول وقت ممكن.. نجح فى تسلق النخيل وجمع بعض الثمار، كما نجح فى إشعال نار محدودة للتدفئة .. فى المساء شعر (نديم) ببرد شديد فآوى إلى كهف عميق ونام به بعد أن أشعل نارا للتدفئة.. وعندما نام وقد بلغ به الإرهاق مبلغه راح يحلم أحلاما سعيدة رأى فيها أنه يلعب مع أطفاله ويجلس مع أصدقائه يحكى لهم عن رحلاته الطويلة.
عندما أشرقت شمس الصباح استيقظ (نديم) على الواقع الجديد فخرج من كهفه وراح يفكر فيما يجب عليه أن يفعله.. هل يحاول صنع طوق من الخشب ليغادر الجزيرة؟ ولكنه لا يستطيع بناء مثل هذا الطوق الذى يستطيع تحمل تلك الرحلة القاسية بدون أخشاب وأدوات ومعدات كافية، وحتى لو نجح فهو لا يعرف اتجاهه جيدا وقد يهلك فى رحلته الطويلة.. على الأقل هنا سيجد الماء والطعام.. هل ينتظر مرور احدى السفن؟ ولكنه يعلم جيدا أنه احتمال واه جدا.. لا يوجد حتى الآن حل سوى التفكير ومحاولة التكيف مع فكرة الحياة على سطح هذه الجزيرة بدون صديق ولا أنيس ولا هدف.. راح يتجول فى أنحاء الجزيرة كعادته حتى عثر على اكتشاف مذهل لم يصدقه لأول وهلة.. لقد رأى على رمال الجزيرة آثار قدمين مختلفة تماما عن شكل آثار أقدامه.. كان الأمر عسير التصديق.. هذه قدما بشرى مثله وإن كانتا أكبر حجما بقليل.. فمن صاحبها؟ وأين يوجد إن كان قد تأكد بالامس من عدم وجود أحد على سطح الجزيرة.. راح يتتبع آثار القدمين فى صبر حتى بلغ كهفا يكاد يختفى عن الأنظار.. دخله فى حذر فسمع صرخة غاضبة وفوجئ برجل عجوز طويل اللحية رث الهيئة يهجم عليه وهو يحمل سيفا يلتمع نصله.. ركض (نديم) مبتعدا وراح العجوز يطارده وهو يصرخ: "ارحل أيها الدخيل.. هذه جزيرتى وحدى".. توقف العجوز عن مطاردة (نديم) وعاد إلى كهفه غاضبا بينما شعر (نديم) بحيرة بالغة: من هذا الرجل العجوز؟ وكيف جاء إلى هذه الجزيرة؟ ولماذا يريد قتله؟
فى الأيام التالية بدأ (نديم) يراقب الرجل العجوز فى فضول فلاحظ أنه غير ودود بالمرة.. يحمل معه معدات كثيرة لا يدرى من أين جاء بها؟.. كان يمضى النهار فى صيد السمك والمساء فى الجلوس وحيدا فوق صخرة نائية وحزن عميق يطل من عينيه.. ومن خلال مراقبة (نديم) للعجوز من مسافة مأمونة كان يتعلم منه حيلا كثيرة للبقاء حيا.. تعلم منه طرق صيد السمك وجمع المحار وعمل أدوات من أعواد الحطب والصخور.. وعندما كان يراه العجوز مصادفة كان يصرخ فى وجهه مرددا نفس العبارات العدوانية.. حتى عندما جازف (نديم) بالاقتراب ومحاولة الائتناس به كان يقابل بالصد والصراخ حتى أن (نديم) بعد أسابيع كف عن محاولاته وأيقن أنه سيظل وحيدا على تلك الجزيرة وعليه أن يتجنب فى تحركاته العجوز بأى صورة..
وفى أحد الامسيات افتقد (نديم) وجود العجوز جالسا فوق صخرته المفضلة فمر فى حذر بالقرب من الكهف الذى يأوى إليه.. سمع أنينا متواصلا فمد عنقه إلى الداخل وهاله ما رأى.. لقد كان العجوز ملقى على أرض الكهف يتصبب عرقا وقد بدت عليه علامات المرض والحمى الشديدة.. أثار منظره شفقة (نديم) فاقترب منه متناسيا حذره.. وبرغم غمغمات العجوز الساخطة المنذرة إلا أن (نديم) تجاهلها تماما وهو يعلم أنه الآن معدوم الحيلة.. حمله على ذراعيه القويين ووضعه فوق فراشه البدائى.. سمع العجوز يتمتم فى خفوت: "لا تقتلنى".. نظر اليه (نديم) فى دهشة وتجاهل عبارته.. وضع كفه فوق جبهة العجوز فشعر بحرارة شديدة وأدرك أنه محموم وأيقن من لهاثه أنه قد يهلك لو لم يجد الدواء المناسب.. ولأن (نديم) كان خبيرا بالعطارة والأعشاب فقد راح يجمع من أنحاء الجزيرة نباتات وأعشاب كان يعرف جيدا مفعولها الأكيد فى علاج الحمى.. وبعد جهد عاد إلى الكهف واستعان بأدوات العجوز فى طحن الأعشاب وعصرها ثم داوم على سقيها للعجوز على فترات متقاربة.. كان العجوز فى أوهن حالاته حتى أنه كان يغيب عن الوعى بالساعات الطويلة.. إلا أن (نديم) راح يرعاه فى الأيام التالية فى صبر ويواظب على جمع الطعام والماء للعجوز وتقديمهما له.. كما واظب على علاجه وتدفئته.. وبعد أسبوع تحسن العجوز تحسنا ملحوظا واستطاع لأول مرة أن يتكلم.. قال لنديم فى صوت ممتن:
- أشكرك أيها الرجل الطيب على حسن صنيعك.. لقد كنت ملكا لإحدى البلاد البعيدة وخاننى جميع الأصدقاء.. وتعاون وزيرى وأتباعى وزوجتى وأبنائى فى الاستيلاء على ملكى ومحاولة قتلى.. ولما نجحت فى الفرار أدركت أنه لا يوجد على سطح الأرض بشرى يستحق أن أثق به فالكل أشرار والكل متآمرون.. ولأننى أعلم جيدا مكان هذه الجزيرة فقد أبحرت إليها بكامل إرادتى وقررت أن أحيا فيها بقية عمرى وحيدا لا أخالط البشر الخائنين.. ولكن صنيعك الذى لم أر مثله من قبل معى أعاد لى ثقتى فى وجود بشر طيبون يفعلون الخير دون انتظار مقابل.. لقد عطفت على عجوز مريض واعتنيت به ولم تحاول حتى قتله بعد أن حاول هو قتلك من قبل.. حقا ليس كل البشر سواء
شعر (نديم) بالتأثر من كلام العجوز فربت على يد العجوز وقال له فى ثقة:
- إن الوطن الذى أقيم به كله أناس طيبون أخيار وربما أكثر منى طيبة..
برق الأمل فى عينى العجوز ثم قال:
- لو أن كل أهل ذلك الوطن بمثل معدنك النفيس فأتمنى من كل قلبى أن أرحل إليه معك.. لقد أعدت لى ثقتى بالبشر
- ولكن كيف سنغادرالجزيرة؟
- لا تقلق.. لقد أتيت بمركب قوى وقمت بفك أجزائه عندما وصلت الجزيرة من سنين بعيدة حتى لا أضعف وأتراجع عن قرارى.. يمكننا التعاون فى إعادة بنائه ومعى ما يلزم من الادوات.. كما أننى أعرف الطريق جيدا لأقرب البلاد لهذه الجزيرة.. ولو بلغناها فسنستطيع السفر فى أمان إلى وطنك
كاد (نديم) يطير فرحا بما سمعه.. وبعد أن تعافى العجوز تماما راحا يعملان فى صبر وجد حتى اكتمل بناء المركب بعد ما يقرب من الشهر.. وأبحرا بها معا.. وبعد رحلة طويلة بلغا أقرب البلاد فاستقل (نديم) والعجوز سفينة متجهة إلى وطنه الحبيب.. وعندما بلغه عاش (نديم) والعجوز معا فى سلام وسعادة وسط أناسه الطيبين.
عندما أفاق (نديم) من إغمائته وجد نفسه فى جزيرة كبيرة تحيط بها مياه المحيط من جميع الجهات.. آخر ما يذكره أنه كان يصارع الأمواج بعد أن غرقت السفينة التى كانت تحمله متجهة إلى وطنه بعد شهور طويلة من الترحال، يذكر الإعصار العنيف الذى هاجم السفينة والأمواج المتلاطمة وصراخ الركاب.. ولولا أنه قفز فى الماء وتعلق بجزء من صارى السفينة المحطم لكان الآن فى عداد الهالكين.. يبدو أنه الامواج ألقت به إلى جزيرة نائية كانت بالقرب من السفينة الغارقة وظل فاقدا لوعيه لفترة فوق الشاطئ.. كانت الشمس حارقة والعطش يتملكه فنهض فى إرهاق وراح يتأمل ما حوله فى حيرة ممزوجة بالخوف.. هل هناك ناجين سواه؟ وهل هذه الجزيرة مأهولة بالسكان؟ وهل سيجد بها ما يسد جوعه ويروى عطشه؟.. بدأ (نديم) يتحرك لاستكشاف الجزيرة المجهولة.. وبعد ساعة كاملة من التجوال أيقن أنه وحيد فوق هذه الجزيرة المنعزلة ومهدد بالهلاك.. ولكن لحسن الحظ تعثر فى أثناء سيره بثمرة جوز هند كانت ملقاة على أرض الجزيرة، ألقى نظرة إلى أعلى فوجد مئات من ثمر جوز الهند فوق النخيل فشعر بنوع من الاطمئنان.. على الأقل لن يهلك من العطش.. أمسك بثمرة جوز الهند ثم استعان بصخرة صلبة ثقيلة من الصخور المتناثرة على الشاطئ لكسرها.. راح يشرب فى لهفة الماء الموجود بداخلها ثم راح يأكل الثمرة اللذيذة.. شعر أنه أفضل حالا فجلس على الشاطئ وراح يفكر: إنه الآن وحيد تماما فى هذه الجزيرة.. وحتى لو استطاع التكيف فإن الوحدة حتما ستقتله مع مرور الوقت.. كما أن الجزيرة نائية وبعيدة تماما عن مسار السفن ولا يرى فى الأفق أى احتمال للنجاة.. توضأ (نديم) ثم صلى ركعتين ودعا الله عز وجل أن ينجيه من هذا المأزق.. شعر بعدها باطمئنان وسكينة وراح يتذكر أطفاله الصغار وزوجته الطيبة الذين كان فى طريقه إليهم.. فى اليوم الاول لم يفعل (نديم) سوى استكشاف الجزيرة والاستفادة مما تحويه من عناصر لإبقائه حيا لأطول وقت ممكن.. نجح فى تسلق النخيل وجمع بعض الثمار، كما نجح فى إشعال نار محدودة للتدفئة .. فى المساء شعر (نديم) ببرد شديد فآوى إلى كهف عميق ونام به بعد أن أشعل نارا للتدفئة.. وعندما نام وقد بلغ به الإرهاق مبلغه راح يحلم أحلاما سعيدة رأى فيها أنه يلعب مع أطفاله ويجلس مع أصدقائه يحكى لهم عن رحلاته الطويلة.
عندما أشرقت شمس الصباح استيقظ (نديم) على الواقع الجديد فخرج من كهفه وراح يفكر فيما يجب عليه أن يفعله.. هل يحاول صنع طوق من الخشب ليغادر الجزيرة؟ ولكنه لا يستطيع بناء مثل هذا الطوق الذى يستطيع تحمل تلك الرحلة القاسية بدون أخشاب وأدوات ومعدات كافية، وحتى لو نجح فهو لا يعرف اتجاهه جيدا وقد يهلك فى رحلته الطويلة.. على الأقل هنا سيجد الماء والطعام.. هل ينتظر مرور احدى السفن؟ ولكنه يعلم جيدا أنه احتمال واه جدا.. لا يوجد حتى الآن حل سوى التفكير ومحاولة التكيف مع فكرة الحياة على سطح هذه الجزيرة بدون صديق ولا أنيس ولا هدف.. راح يتجول فى أنحاء الجزيرة كعادته حتى عثر على اكتشاف مذهل لم يصدقه لأول وهلة.. لقد رأى على رمال الجزيرة آثار قدمين مختلفة تماما عن شكل آثار أقدامه.. كان الأمر عسير التصديق.. هذه قدما بشرى مثله وإن كانتا أكبر حجما بقليل.. فمن صاحبها؟ وأين يوجد إن كان قد تأكد بالامس من عدم وجود أحد على سطح الجزيرة.. راح يتتبع آثار القدمين فى صبر حتى بلغ كهفا يكاد يختفى عن الأنظار.. دخله فى حذر فسمع صرخة غاضبة وفوجئ برجل عجوز طويل اللحية رث الهيئة يهجم عليه وهو يحمل سيفا يلتمع نصله.. ركض (نديم) مبتعدا وراح العجوز يطارده وهو يصرخ: "ارحل أيها الدخيل.. هذه جزيرتى وحدى".. توقف العجوز عن مطاردة (نديم) وعاد إلى كهفه غاضبا بينما شعر (نديم) بحيرة بالغة: من هذا الرجل العجوز؟ وكيف جاء إلى هذه الجزيرة؟ ولماذا يريد قتله؟
فى الأيام التالية بدأ (نديم) يراقب الرجل العجوز فى فضول فلاحظ أنه غير ودود بالمرة.. يحمل معه معدات كثيرة لا يدرى من أين جاء بها؟.. كان يمضى النهار فى صيد السمك والمساء فى الجلوس وحيدا فوق صخرة نائية وحزن عميق يطل من عينيه.. ومن خلال مراقبة (نديم) للعجوز من مسافة مأمونة كان يتعلم منه حيلا كثيرة للبقاء حيا.. تعلم منه طرق صيد السمك وجمع المحار وعمل أدوات من أعواد الحطب والصخور.. وعندما كان يراه العجوز مصادفة كان يصرخ فى وجهه مرددا نفس العبارات العدوانية.. حتى عندما جازف (نديم) بالاقتراب ومحاولة الائتناس به كان يقابل بالصد والصراخ حتى أن (نديم) بعد أسابيع كف عن محاولاته وأيقن أنه سيظل وحيدا على تلك الجزيرة وعليه أن يتجنب فى تحركاته العجوز بأى صورة..
وفى أحد الامسيات افتقد (نديم) وجود العجوز جالسا فوق صخرته المفضلة فمر فى حذر بالقرب من الكهف الذى يأوى إليه.. سمع أنينا متواصلا فمد عنقه إلى الداخل وهاله ما رأى.. لقد كان العجوز ملقى على أرض الكهف يتصبب عرقا وقد بدت عليه علامات المرض والحمى الشديدة.. أثار منظره شفقة (نديم) فاقترب منه متناسيا حذره.. وبرغم غمغمات العجوز الساخطة المنذرة إلا أن (نديم) تجاهلها تماما وهو يعلم أنه الآن معدوم الحيلة.. حمله على ذراعيه القويين ووضعه فوق فراشه البدائى.. سمع العجوز يتمتم فى خفوت: "لا تقتلنى".. نظر اليه (نديم) فى دهشة وتجاهل عبارته.. وضع كفه فوق جبهة العجوز فشعر بحرارة شديدة وأدرك أنه محموم وأيقن من لهاثه أنه قد يهلك لو لم يجد الدواء المناسب.. ولأن (نديم) كان خبيرا بالعطارة والأعشاب فقد راح يجمع من أنحاء الجزيرة نباتات وأعشاب كان يعرف جيدا مفعولها الأكيد فى علاج الحمى.. وبعد جهد عاد إلى الكهف واستعان بأدوات العجوز فى طحن الأعشاب وعصرها ثم داوم على سقيها للعجوز على فترات متقاربة.. كان العجوز فى أوهن حالاته حتى أنه كان يغيب عن الوعى بالساعات الطويلة.. إلا أن (نديم) راح يرعاه فى الأيام التالية فى صبر ويواظب على جمع الطعام والماء للعجوز وتقديمهما له.. كما واظب على علاجه وتدفئته.. وبعد أسبوع تحسن العجوز تحسنا ملحوظا واستطاع لأول مرة أن يتكلم.. قال لنديم فى صوت ممتن:
- أشكرك أيها الرجل الطيب على حسن صنيعك.. لقد كنت ملكا لإحدى البلاد البعيدة وخاننى جميع الأصدقاء.. وتعاون وزيرى وأتباعى وزوجتى وأبنائى فى الاستيلاء على ملكى ومحاولة قتلى.. ولما نجحت فى الفرار أدركت أنه لا يوجد على سطح الأرض بشرى يستحق أن أثق به فالكل أشرار والكل متآمرون.. ولأننى أعلم جيدا مكان هذه الجزيرة فقد أبحرت إليها بكامل إرادتى وقررت أن أحيا فيها بقية عمرى وحيدا لا أخالط البشر الخائنين.. ولكن صنيعك الذى لم أر مثله من قبل معى أعاد لى ثقتى فى وجود بشر طيبون يفعلون الخير دون انتظار مقابل.. لقد عطفت على عجوز مريض واعتنيت به ولم تحاول حتى قتله بعد أن حاول هو قتلك من قبل.. حقا ليس كل البشر سواء
شعر (نديم) بالتأثر من كلام العجوز فربت على يد العجوز وقال له فى ثقة:
- إن الوطن الذى أقيم به كله أناس طيبون أخيار وربما أكثر منى طيبة..
برق الأمل فى عينى العجوز ثم قال:
- لو أن كل أهل ذلك الوطن بمثل معدنك النفيس فأتمنى من كل قلبى أن أرحل إليه معك.. لقد أعدت لى ثقتى بالبشر
- ولكن كيف سنغادرالجزيرة؟
- لا تقلق.. لقد أتيت بمركب قوى وقمت بفك أجزائه عندما وصلت الجزيرة من سنين بعيدة حتى لا أضعف وأتراجع عن قرارى.. يمكننا التعاون فى إعادة بنائه ومعى ما يلزم من الادوات.. كما أننى أعرف الطريق جيدا لأقرب البلاد لهذه الجزيرة.. ولو بلغناها فسنستطيع السفر فى أمان إلى وطنك
كاد (نديم) يطير فرحا بما سمعه.. وبعد أن تعافى العجوز تماما راحا يعملان فى صبر وجد حتى اكتمل بناء المركب بعد ما يقرب من الشهر.. وأبحرا بها معا.. وبعد رحلة طويلة بلغا أقرب البلاد فاستقل (نديم) والعجوز سفينة متجهة إلى وطنه الحبيب.. وعندما بلغه عاش (نديم) والعجوز معا فى سلام وسعادة وسط أناسه الطيبين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق